كتاب قضايا الشعر المعاصر

هذا وذاك من الأسباب الواهنة. ولم ترتفع، في ردع هذه المدارس، إلا أصوات خافتة خجلة ما لبث الصياح حتى أسكتها. وليس لهذا الصياح -في نظر العلم- اسم غير الإرهاب الفكري. وإن واجب الناقد المخلص ليقتضي أن يعلن رأيه ولا ترهبه التسميات. ذلك أن الأسماء إنما تكتسب قيمتها من الحقائق التي تسندها. ثم إن قضية اللغة العربية يجب أن تكون أعز علينا من سمعتنا الشخصية باعتبارنا كتابًا مجددين ذوي ثقافة حديثة. وبعد فهل حقًّا تستطيع الدعوة إلى سلامة اللغة أن تسلب الناقد صفة التجديد؟ وهل حقًّا حقًّا أن سلامة اللغة ليست شرطًا في جمالية القصيدة، كما يزعم بعضهم، وكما يريدوننا أن نصدق؟ وهل يسوغ لأي ناقد، مهما كان حديثًا في ثقافته، أن يتحدث بلغة النظريات والتحليلات عن أية قصيدة حافلة بالأخطاء المشوهة والتعابير الركيكة؟
إن الأمة العربية تمر اليوم بمفرق هام من مفارق حياتها، ونحن ملزمون بأن نعمل، كلٌ في الجهة التي تؤهله لها فطرته، في سبيل أن نرفع مستوانا ونبرز مواهبنا وننتج في الحقول كلها. وعلى الناقد العربي يقع قسط كبير من حماية اللغة العربية الجميلة من كل دعوة مريضة للعبث بها. إن هنالك اليوم مدارس بعينها هدفها الرسمي أن تهدم قواعد اللغة العربية وتقتضي عليها قضاء مبرمًا. وسواء أكانت هذه المدارس تصدر في دعوتها عن نزوة فكرية بريئة، أم كانت تتعمد -لغرض مبيت- أن توهن اللغة العربية وتهدم أصالتها، فإن علينا أن نتصدى لها ونناقش دعوتها مناقشة الحريص الذي يغار على لغة الضاد من أن يعبث بها عابث غير مسئول. وإنه ليحزننا أن نرى أكثر نقادنا غير عابئين.
وإلا فما الذي جعلهم يسكتون سكوتًا متصلًا على الظاهرة الخطيرة التي بدأت منذ سنين تشيع في شعر المدرسة اللبنانية الحديثة، ظاهرة العبث بالقواعد النحوية الراسخة وإخضاع اللغة للسماع الشاذ الذي لا يعتد به؟ لماذا لم يحتج أي من نقادنا على "أل" التعريف وقد راح جيل كامل من

الصفحة 327