كتاب قضايا الشعر المعاصر

أن نضيع هذا الفعل ونكتب بلغة خالية منه؟ ذلك أن إدخال "أل" على الفعل يعني حتمًا أن يكف الفعل عن أن يكون فعلًا، ويكتسب جمود الاسمية. الواقع أنه، إذا تأملناه، يتحول إلى نوع من "الصفة" ويفقد طابع الامتداد الزمني1 وذلك هو السبب في الجفاف الماحل واليبوسة القاسية التي نجدها في الأبيات التي اقتبسناها سابقًا:
أفقاصة الترن في الهياكل
الأروقة المعاول
لترن في الشوارع الغوائل
والأكهف المنازل
التود أن تحبس بي الحياة والتجددا
هذا، في الحق، كلام صلد لا ليونة فيه ولا عذوبة، تترادف فيه المجردات التي توحش القلب الإنساني وتشعره بجفاف الدنيا التي يصورها الشاعر. وكم كانت الأبيات تكتسب من الحرارة والحركة والطراوة لو أن الشاعر أعطانا أفعالًا طبيعية تتنفس بين الأسماء وتخفف من وحشة التجريد فيها. ولكن هذا الشاعر الحديث يحسب القواعد، فيما يلوح، قيودًا مرتجلة قيدنا بها أسلافنا النحاة دونما سبب موجب. ولذلك رضي أن يغبن قصيدته فيحرمها من أجمل ما فيها، من الأفعال التي هي مصدر الضوء والدفء في اللغة، ثم إن "أل" هذه حين تكثر تزعج
__________
1 يعرب النحاة "أل" التي تدخل على الفعل على أنها أل الموصولة وهذه مجرد تسمية كان الغرض منها التمييز. ذلك أن "أل" الموصولة -إذا درسنا أمثلتها وتأملنا- ليست إلا "أل" التعريف نفسها. وإنما أراد النحاة بها أن يفرقوا بينها وبين التي تدخل على الأسماء. ونحن نرى أن "الذي" وسائر الموصولات ليست إلا وسائل تحاشى بها اللسان العربي إدخال "أل" على الفعل وبذلك حفظ له فعليته وأصالته. وهذه هي القيمة الوحيدة للموصولات، وهي قيمة عظيمة لا ندري لماذا لم يعد هذا الشاعر الحديث يقدرها؟

الصفحة 330