كتاب قضايا الشعر المعاصر

السمع وتصبح رتيبة ولا أدري لماذا يولع شعراء هذه المدرسة بها. هذا نموذج:
الوحدة الفراغ
والدم الصقيع
والركود السأم الجامد1
هذه ثلاثة أشطر من قصيدة "وسأحتفظ باعتراضاتي الكثيرة على تشكيلات الوزن فيها" ستة أسماء وصفة، وكلها معرف بأل. ما أشد ما تبدو الدنيا موحشة ميتة لنا ونحن نعيش بين كل هذه المجردات! وأي بعد بين هذه الدنيا وحياتنا العربية الملتهبة اليوم بحرارة النضال وحماسة الاندفاع والحياة!
وبعد فمهما كانت هذه الدعوة وأمثالها بريئة من القصد السيئ فهي، على كل حال، دعوة مجحفة تنطوي على بذور مميتة لن تنتهي باللغة العربية إلى الخير. وقيام مثل هذه الدعوات يلقي على الناقد مسئولية خطيرة. فمن سواه يستطيع أن يتصدى لإنقاذ اللغة والشعر من أن ينقادا لدعوات الموت والفناء هذه؟ إننا لندرك أن هناك اليوم في صفوف هذه الأمة قوى متربصة تنطوي على الشر وسوء النية ويهمها أن تهدم العروبة على أي وجه يتاح. ولعل الحرب العلنية ليست أفظع وسائل هذا العدو في محاربتنا. فإن له أساليب أخرى أخفى وأشد مضاء. وهل أخطر من أن يضعف إيمان الجيل الطالع باللغة العربية وحصانة قواعدها السليمة؟ وإذا أضعفنا ذلك الإيمان أفلن نكون قد ساعدنا في خلق جيل ضعيف الثقة بالعروبة نفسها؟ إنه ليحزننا أن نقول إننا، حتى الآن، قد مضينا في هذا طويلًا، وإن بين أيدينا الآن جيلًا يتشكك في منطقية القواعد
__________
1 نذير عظمة - القصيدة المذكورة سابقًا.

الصفحة 331