كتاب قضايا الشعر المعاصر

البديهية ويستخف باللغة معتقدًا أن الاستهانة بالمقاييس اللغوية أمر ينم عن التجديد الحق والتحرر الفكري. وإني لأجزم أن بين الأدباء أنفسهم فئة تؤمن بأن التنبيه إلى أخطاء النحو واللغة مظهر ضحالة ورجعية في ثقافة الناقد. وقد تكون أول تهمة توجه إلى هذا الناقد أنه غير مثقف في النقد الأدبي الحديث.
على أننا لا ندعو إلى التمسك بقواعد اللغة لذاتها. ولسنا نحب أن ننصب مشانق أدبية لكل من يستعمل لفظة استعمالًا يهبها حياة جديدة، أو يدعو إلى الاستغناء عن بعض شكليات النحو البالية التي لم نعد نستعملها. لا بل إننا نؤمن أعمق إيمان بالتجديد المبدع ونعتقد أن هذا التجديد لا يتم إلا على أيدي الشعراء والأدباء والنقاد المثقفين الموهوبين. غير أن هذا كله شيء، والعبث بالمقاييس شيء آخر. نحن نرفض بقوة وصرامة أن يبيح شاعر لنفسه أن يلعب بقواعد النحو واللغة لمجرد أن قافية تضايقه أو أن تفعيلة تضغط عليه. وأنه لسخف عظيم أن يمنح الشاعر نفسه أية حرية لغوية لا يملكها الناثر1. فمن قال إن الشاعر الموهوب يستطيع أن يبدع أي شيء في غير الإطار اللغوي لعصره؟
إن كل خروج على القواعد المعتبرة ينقص من تعبيرية الشعر ويبعده عن روحية العصر. ولسنا، على كل، نفهم لماذا يريد الناقد أن يكون الشاعر الحديث طفل اللغة المدلل فيخطئ ويرتكب المحذورات ما شاء دون أن يحاسب؟
بعد أن شخصنا جوهر الظاهرة التي لفتت نظرنا في نقدنا المعاصر، وفسرناها بأنها، في حقيقتها، موجة من العناية بالمضمون جرفت النقاد
__________
1 هذا رأيي، على الرغم من علمي بوجود باب سماه الآلوسي "الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر".

الصفحة 332