كتاب قضايا الشعر المعاصر

الفلسفية والمدارس التحليلية في النقد الأوروبي.. هذه الدراسات الباهرة التي يكتبها الناقد الأجنبي هناك.. إنها تعمل في نقادنا عمل السحر فتبهرهم وتسكرهم وتفقدهم أصالة أذهانهم وتصيب حواسهم المبدعة بشيء يشبه التنويم. فما يكاد الناقد العربي اليافع يقرأ ما كتبه إيليوت ورتشردز وبرادلي ومالارميه وفاليري وغيرهم حتى يشتهي أن يطبق ما يقولون على الشعر العربي مهما كلفه ذلك من تصنع وتعسف وجور على شعرنا ولغتنا.
ويكون أول ما يضحي به هذا الناقد الجالب اللغوي من القصيدة العربية فبدلًا من أن يتناول القلم ويرفع صوت احتجاج على الشذوذ والأخطاء نجده يهمل ذلك ويعتبر القصيدة منزهة لكي يتاح له أن يحللها ويغرقنا خلال ذلك بسيل من الاصطلاحات الأجنبية التي لا تنطبق على شعرنا إطلاقًا ولم توضع له.
إن هذا الناقد العربي الذي يحترق شوقًا إلى أن يجاري الناقد الاوروبي في حديثه عن المدارس والنظريات الكبيرة ذات الطابع النفسي والفلسفي، لا يجد أمامه إلا قصائد عربية مزرية، ضعيفة الإنشاء، يتعثر السمع بغلطة عروضية في كل ثلاثة أشطر منها. ومن ثم فإنه مضطر اضطرارًا إلى أن يغمض عينيه عن عيوبها، لكي يتاح له أن يعيش في جنة النظريات المسحورة التي استقاها من النقد الأجنبي. وبهذا يتغاضى عن مشكلة قائمة تحت بصره لكي يتحدث عن مشكلة مستحبة يود لو وجدت بالرغم من كل شيء.
إن اللوم في هذا كله لا يقع على نقاد أوروبا الذين لم يتوقفوا ليشيروا في مقالاتهم إلى أخطاء لغوية ونحوية كالتي يجب أن يشير إليها الناقد العربي. وإنما نحن الملومون. فلماذا ينبغي أن يعنينا النقاد الأوروبيون إذا كانت القصائد التي نتناولها نحن بالنقد مثقلة بإشكالات من نوع لا يحلمون هم به؟ ولماذا نحكم أولئك النقاد الأجانب في الشعر العربي الذي يتحدر من تاريخ لا صلة له بتاريخهم الأدبي؟ وما هذه "العنجهية" التي تجعل الناقد العربي يتعالى عن مواجهة مشاكل شعرنا الواقعية لمجرد أن

الصفحة 335