كتاب قضايا الشعر المعاصر

الأساتذة المبدعين من نقاد الغرب لا يتناولون مشكلات مماثلة في شعرهم؟
هذا الموقف العجيب ينم عن أن الناقد العربي لا يرى في عملية النقد إلا ترفًا فكريًّا ووسيلة يستعين بها على اللعب بنظريات النقد الأوروبي.
فليس المهم أن يدرس مشاكل الشعر العربي لكي يضع الأسس الموضوعية لنقد عربي حديث، وإنما المقصد أن يشغل نفسه بتطبيق النظريات الأجنبية على هذا الشعر بأي ثمن. إن واقع شعرنا ليس هو الذي يملي على نقادنا ما يكتبون وإنما ينتقدون ليسلوا أنفسهم ويسلونا بالكلمات الكبيرة الممتعة التي ابتدعها الأوروبيون في أوقات فراغهم. والحق أن مسئولية الناقد العربي تقضي عليه اليوم بألا يكون له فراغ قط. ذلك أن شعرنا -كسائر جهات حياتنا العربية- مثقل بالإشكالات، وفي وسع همومه أن تشغلنا أعوامًا طويلة قبل أن نفرغ لتطبيق النظريات الممتعة عليه. ولعلنا نعترف كلنا بأن الشعر العربي -بعد الحرب العالمية الثانية- قد واجه صدمة غير هينة بسبب الدعوة المتطرفة إلى الحرية حتى بدت علامات الاحتضار تلوح على أكثر من واحدة من المدارس الحديثة، وإذا لم نتدارك هذا الشعر فسرعان ما سيموت. فهل نريد حقًّا أن نمضي في اللعب بالنظريات الأوروبية والكلمات الأجنبية ذات البريق والسحر؟ أم أن الشعر العربي سيعز على نقادنا فيقفون صفًّا واحدًا ليسندوه؟
ومهما سيكون موقفنا فلعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن موقف نقادنا من الفكر الأوروبي يكاد يكون موقف استخذاء. إن بعضهم يعتقد اعتقادًا جازمًا أننا أقل موهبة من شعراء الغرب وأن علينا أن نغترف نظرياتهم ونأكلها أكلًا إذا نحن أردنا أن ننشئ شعرًا عربيًّا ونقدًا. لا بل أنا أقول إن مادة شعرنا وحياتنا العربية أغنى وأخصب بكثير من مادة الشعر الأوروبي المعاصر -لأسباب منطقية لا محل الآن لبسطها- وإن موجة تجديد جارفة سوف تنبعث من عالمنا العربي هذا، ولسوف يتتلمذ الغرب على شعراء هذه الأرض الموهوبة ونقادها وأدبائها في يوم قريب. ولكن هذا لن

الصفحة 336