كتاب قضايا الشعر المعاصر

تتكاثر الأسماء والمسميات، وتتشابه الدلالات والمدلولات حتى لتختلط ببعضها أحيانًا، فتكون مهمة الدارس المفكر التمييز بين المتشابه والمختلط من الألفاظ والمعاني، وتصبح فضيلة العبقري اكتشاف المعنى الأصيل والاهتداء إلى اللفظ المناسب له، وهو ما يسمى في عرف الفن ابتداعًا وسموًّا في الخيال.
وقد عاش العربي، أول ما عاش، حياة أدنى إلى البساطة في التحضر، وليس هذا فحسب؛ لأن حضارة الإنسان آنذاك كانت لم تتزايد بعد في متطلباتها حتى تتعقد، ومظاهر الترف المعاشي لم تتعدد في معطياتها حتى تتزاحم. وبهذا كان مضمون كل شيء ساذجًا، وكان القصيد العربي يحتوي على مضامين عدة، وكان الشاعر يتنقل بين هذه الأغراض المتنوعة لتأليف القصيدة، جاعلًا من البيت وحدة مستقلة الأداء والإعراب قدر الإمكان؛ ليدل على براعته في الإيجاز.
ولما اتسعت أبعاد حضارته، وتعددت صورها، كان لا بد للمضمون أن يتوسع ويطول، وبذلك ضاق صدر القصيدة عن أن ينفسح لأكثر من غرض واحد إذا استوعبه الشاعر وأجاد تحليله وتصويره، وسواء عليه أتحول إلى غيره أم لا فإن القصيدة تطول ويملها السامع والقارئ، وتخرج عن الإطار المألوف إلى دائرة الملاحم القصصية والأراجيز التعليمية.. وبذلك استبدل الشاعر تنقله بين المضامين إلى تنقل بين الأوزان المختلفة تارة، أو بين ضروب الوزن الواحد أخرى، ومن قافية لغيرها بقصد التنويع تارة أخرى. وحاول -أحيانا- الخروج على الوزن والقافية معًا فعادت به طبيعة الشعر العربي إلى واقعها أخيرًا.. وفي هذا التنقل والتنويع -على اختلافه- ما فيه من دلالات نفسية وفنية واجتماعية للشاعر والقارئ والسامع تكشف عن مستوى الحضارة الذي بلغته الأمة.. لذا كانت مسرحيات شوقي طريفة مقبولة، في حين جاءت مملولة ترجمة سليمان البستاني "1856-1925م" لإلياذة هوميروس، وملحمة الزهاوي "ثورة في الجحيم".. ذلك أن البستاني أتى بترجمته على شكل مقطوعات، كل

الصفحة 342