كتاب قضايا الشعر المعاصر

مقطوعة منها موحدة الوزن والقافية، وبهذا تحولت إلى مجموعة قصائد. أما الزهاوي فقد اختار لملحمته البالغة 435 بيتًا بحر الخفيف مع وحدة القافية في الوقت الذي كان يدعو إلى الشعر المرسل والتحرر من قيد القافية، وينظم فيه.
ومن جهة أخرى فليس صحيحًا أن الشعر العربي وما يعتمد عليه من مقاييس النقد الأدبي معايير ثابتة متحجرة كما وصمه بعضهم1. ولعل في تسمية الأوزان بالبحور ما يوحي لنا بالسطح الواسع، والعمق الهائل لمن يدرك كيف يعوم فيستخرج منه الجديد والغريب، فضلًا عن المعنى المعروف.
وآية ما ندعيه في مرونة الأسس النقدية في أدب العرب، وخصب الذهنية العربية، وقابليتها التطورية ما عرفناه من تجديدات في المضمون والشكل طرأت على الشعر العربي بعد تاريخه المسجل بفترة وجيزة: فلم يمر عليه قرن واحد حتى دخلته أغراض جديدة بظهور الإسلام، ووجدنا الشعر السياسي مثلًا عليه. ولم تمر مائة عام أخرى حتى بدأ عهد جديد دعاه النقاد بعصر الشعراء المحدثين قبال القدامى لما دخل على الشعر من اتجاهات جديدة في الصياغة وأساليب التعبير على يد أبي نواس وأبي تمام، وبشار بن برد ومسلم بن الوليد، وابن المعتز وابن هرمة والشريف الرضي وسواهم2.. بل إن "مطيع بن إياس" الذي عاش في أواخر الدولة الأموية في الكوفة، وأوائل الخلافة العباسية في بغداد، المتوفى سنة 170هـ = 787م يعد أول الشعراء المحدثين، الذين جددوا في العروض العربي وكان بين هؤلاء من خرج على بحور الشعر الخليلية كـ "رزين بن زَنْدوَرْد المتوفى حوالى سنة 247هـ" مولى طيفور بن منصور الحميري
__________
1 أدونيس: الشعر العربي ومشكلة التجديد – مجلة شعر العدد: 21-22 سنة 1962م.
2 الآمدي: الموازنة – 13 والجرجاني: الوساطة – 38.

الصفحة 343