كتاب قضايا الشعر المعاصر

وتوفي أبو شادي في إبريل سنة 1955م وهو يحدد الشعر الحر في مناسبات الدفاع عنه أو الدعوة له بأنه "الذي يجمع أوزانًا وقوافي مختلفة حسب طبيعة الموقف ومناسباته1. غير أن علي أحمد باكثير -من أتباع أبولو- قد اهتدى إلى الشعر الحر من دون أن يعرف ذلك، فإنه نظم مسرحيته -السماء أو إخناتون ونفرتيتي- سنة 1943م من بحر معين هو "المتقارب" وجاءت الأشطر فيه بعدد من التفعيلات غير متساوية ولكنه -مع ذلك- أطلق عليه اسم "الشعر المرسل" لأنه لم يتقيد فيه بوحدة القافية2فكان بموقفه هذا يذكرنا بالرحالة "كريستوف كولومبس" الذي اكتشف أمريكا وهو يظن أنها إحدى جزر الهند الشرقية.
ثم تلتها حركة "الشعر الحر" في أواخر النصف الأول من القرن نفسه، في يوم الثلاثاء 27 تشرين الأول من سنة 1947 بالذات.. ففي ضحاه كان ميلاد أول نموذج له، في قصيدة بعنوان "الكوليرا" وقد كانت التجربة التي انفعلت بها الشاعرة فاستوحتها وصورتها هي أحداث "الهيضة" التي وقعت في مصر الشقيقة حينذاك ونشر الوباء أجنحة الموت الفاجع على ربوعها ... وكان يومًا مشهودًا في منزل الشاعرة وعند الأسرة بكامل شخوصها، من الأب الأديب الباحث الأستاذ صادق الملائكة إلى الأم الشاعرة المعروفة أم نزار إلى الإخوة إحسان ونزار وعصام وسُها، كما رواه لي دفتر الذكريات المخطوط بقلم المؤلفة نفسها، وهو سجل للمحاورات والأحداث التي تجري بين أعضاء الأسرة في مناسبات خاصة، وفي أوقاتها المعينة.
ولعل من المفيد أن اقتطف منه ما يلي:
تدخل "نازك" غرفة الاستقبال وبيدها القصيدة وتقول: هذه القصيدة
__________
1 أولو: 2، 10/ 1934م/ 90.
2 باكثير: محاضرات في فن المسرحية القاهرة 1958م/ 10.

الصفحة 346