كتاب قضايا الشعر المعاصر

لقد استجاب العروض العربي لهذه الحركة التطورية الجديدة. وشاعت في الأوساط الأدبية وتلاقفها شعراء الشباب بعد نقد قاس وسخرية لاذعة..
والذي يغلب على ظننا أن حركات التطوير تلك إنما كانت بدافع الرغبة إلى الجديد وليست تخلصًا من قسوة عمود الشعر وصرامته، وإلا ما ذهب "المعري" وغيره إلى الزيادة في القيود فالتزم في القافية ما لا يلزمه العروض به، وآثرها في "لزومياته" وكذلك في "فصوله وغاياته"، حتى لكأنها وسائل للأداء كما ازدادت أعانت الشاعر على رسم صورته وتأدية غرضه.. كما نعتقد بأن حركة الشعر الحر هذه إنما هي مرحلة تطورية لعروض الشعر العربي وليست مقتبسة عن الشعر الغربي كما ذهب بعضهم1 وإن كانت تشبهه في بعض الوجوه؛ إذ ليس كل شبيه مستمدًا من شبهه، إن كان بعض أنصارها ممن قرأ أدب الغرب وأفاد منه وادعى الأخذ عنه.. ثم إنها لم تعالج "المضمون" وإن كان هو الحاجة الملحة التي دفعت إلى اختراعه2، ولم تدرس "وحدة الموضوع" وإن كانت هي الحافز القوي إلى ابتداعه3.. وعلى ذلك فإن كل ما وصلنا من تجديد وتنويع في الأسلوب والشكل منذ فجر النهضة الحديثة سواء أكان في مدرسة شعراء المهجر في أمريكا أو في "أبولو" في القاهرة إنما هي إرهاصات مهدت لميلاد الشعر الحر الذي كان بمنزلة رد الفعل لبعض أنواعها، والذي ابتنى قواعده على أسس فنية خاصة في العروض العربي لا يتعداها..
ونميل أخيرًا إلى القول: بأن هذه الحركة إنما هي عودة بالشعر العربي إلى أوزانه العروضية حيث جعلت -التفعيلة- أساسًا تعتمد عليه في بناء البيت بعد أن نزع فريق من الشبان إلى التطرف في التحلل منها،
__________
1 خليل مطران: مقدمة أطياف الربيع لأبي شادي سنة 1933م.
2 و3 المصدر السابق نفسه.

الصفحة 348