كتاب حياة محمد ورسالته

الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ.» *
وكان يسوع أقرب الأنبياء إلى الرسول محمد عليه السلام من وجهة النظر الزمنية. وطبيعيّ أن يتوقع المرء أن يجد في الديار النصرانية، على الاقل، بعض آثار من الفضيلة والاخلاق. ولكن كيف كانت حال النصرانية في ذلك العهد؟ فلنرجع إلى شهادات الكتّاب النصارى أنفسهم في هذا الموضوع. فقد رسم احد الاساقفة صورة لتلك الأيام فقال ان المملكة الالهية كانت في اضطراب كلّي، بل إن حالة جهنمية حقيقية كانت قد أقيمت على سطح الارض، نتيجة للفساد الداخلي.
وقد عالج السير وليم ميووير هذا الموضوع فانتهى إلى النتيجة نفسها.
قال: «وفوق هذا فقد كانت نصرانية القرن السابع نفسها متداعية فاسدة. كانت معطّلة بعدد من الهرطقات المتنازعة، وكانت قد استبدلت بأيمان العصور الأولى السّمح صغارات الخرافة وصبيانياتها.»
تلك صورة للنصرانية تمثّل وضعها العام [آنذاك] . كانت وحدة الذات الالهية قد احتجبت منذ عهد بعيد. وكانت عقيدة التثليث قد أدّت إلى نشوء تعقيدات متعددة. وتنافست الفرق والهرطقات المختلفة في قدح زناد الفكر لتفسير هذه العقيدة. وأدّى ذلك إلى انشاء جمهرة من المؤلفات أبعدت الانسان عن هدف الدين الحقيقي. و [المؤرخ] غيبون Gibbon في تعليقه على حادثة [حرق] مكتبة الاسكندرية الشهيرة من قبل المتعصبين من النصارى يبدي هذه الملاحظة الهامة: «ولكن إذا صحّ أن ركام الجدل الآريوسيّ والقائل بطبيعة المسيح الواحدة قد أحرق فعلا في الحمّامات العمومية فأن في ميسور الفيلسوف أن يذهب إلى القول، في ابتسامة، بأن ذلك كان في مصلحة الجنس البشري.»
وكانت الشرور التي سادت العالم المسيحي، كالخمر والميسر والفسوق،
__________
(*) السورة 57، الآية 16.

الصفحة 20