كتاب حياة محمد ورسالته

كلب فقال إنه كسب الجنة بعطفه هذا على مخلوق عاجز من مخلوقات الله. وأشار يوما إلى امرأة متوفاة فقال انها دخلت النار في قطة احتبستها فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الارض. ومنذ صباه الأول كان يبدي عطفا عميقا على الارامل والايتام والبائسين. وكان يقول: «أنا ومن يعطف على يتيم متقاربان كهاتين الاصبعين» ، ويبسط سبابته واصبعه الوسطى معا. والقرآن الكريم حافل أيضا بمثل هذا العزاء لليتامى والضعفاء والبائسين. فهو يقول: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ.» * كان هو نفسه مستعدا لأن يحتمل أعظم الأرزاء في جلد وصمت، ولكن أضأل الألم يصيب شخصا غيره كان خليقا به ان يفطّر فؤاده. كان يأخذ أبدا بناصر المظلوم. ولقد أيّد حقوق النساء على الرجال، والعبيد على سادتهم، والمحكومين على الحكام، والرعية على الملك. وكان جدّ مولع بالأطفال. فما إن يلقى أحدا منهم في طريقه حتى يربّت على خده ويلاطفه. وكان يعود المرضى، في غير انقطاع، فيتفقد حالهم ويواسيهم. وكان يشيّع جنائز الموتى أيضا.
وبلغ حسن الوفادة أوجه عند الرسول. فقد كان يبذل قصارى جهده لاكرام ضيوفه على أحسن وجه يستطيعه. كان يخدمهم بنفسه. فاذا اتفق ان كان عدد الوافدين عليه أكبر من ان يتسع بيته لايوائهم وزّع العدد الفائض على أصحابه الذين كانوا يكرمونهم- مثل سيدهم- ويحسنون وفادتهم. وكانوا يقدمون أحيانا كل ما عندهم من طعام إلى ضيوفهم، في حين يبيتون هم على الطوى.
ولم تندّ من شفتيه، طوال حياته، أيما لفظة بذيئة. بل إنه لم ينطق قط حتى بلفظة قاسية واحدة. وكان يحظّر على الآخرين أيضا ان يصطنعوا اللغة الفظة. فاذا ما أراد تحذير أحد فعل ذلك بلهجة جدّ
__________
(*) السورة 107، الآية 1- 3.

الصفحة 272