كتاب حياة محمد ورسالته

تتوهج فترة من الزمان ثم تخبو شيئا بعد شيء، حتى انطفأت آخر الأمر انطفاء كاملا. وعندئذ كانت الحاجة تنشأ إلى مصلح روحيّ ينير العصر المظلم، ومن ثم إلى بعثة نبوية اثر بعثة نبوية. ولكن بينا حققت العناية الالهية مصلحة الانسان الروحية، باختيارها الرسل حينا بعد حين من بين مختلف الأمم، أدّى ذلك إلى نشوء انطباعة شديدة الأذى.
فقد شرعت كل أمة، لجهلها بما أغدق الله على الأمم الأخرى من أفضال مماثلة، تعتقد انها هي شعب الله المختار. وهذا ما غذّى الفكرة الضارة القائلة بالمحاباة الالهية وما رافق ذلك من شرور ملازمة. ولتقويم هذا الشعور بالتمييز العنصري، وإزالة الأحقاد التي خلقتها التخوم الجغرافية والاجتماعية وبعض الحواجز المصطنعة، ولصهر الانسانية في كلّ واحد متراصّ، شاءت الحكمة الالهية ان تبعث نبيا عالميا ذا رسالة إلى الجنس البشري كله، نبيا لا تتخطى قوّته الروحية كل تخم فحسب، بل تحتفظ فوق ذلك بفعاليتها إلى آخر الدهر أيضا. وهكذا ما إن تمّت سلسلة الأنبياء الملّيين بظهور حلقتها الاخيرة، يسوع، الذي أرسل- ونحن نستعمل هنا كلماته نفسها- «إلى خراف الاسرائيليين الضالة» حتى آن الأوان لأن تشرق شمس الروحانية على الافق الديني. لتضيء العالم كله. وهكذا ظهر الرسول الذي كان «رحمة للعالمين» ، وحرّر الانسانية من أصفاد الجهل والخرافة والفساد. وإنما كان الأنبياء السابقون أشبه بمصابيح الهية كثيرة ذات ضياء يكفي هذه الحجرة أو تلك، ومن هنا مسّت الحاجة إلى مصابيح مختلفة تطابق مختلف المناطق الجغرافية والقومية. لقد سفحت نورها حولها، فاذا بكل ما هو واقع ضمن نطاقها مشرق متألق. ولكن ما إن بزغت الشمس من رمال بلاد العرب حتى أمست البشرية في غير ما حاجة إلى تلك المصابيح. ولكن ضياء الشمس لا يمكن أن يحل محلّه ايما ضياء آخر، وهو كاف لأنارة العالم إلى يوم يبعثون.

الصفحة 282