كتاب حياة محمد ورسالته

ولأبراز كل ملكة من ملكاتها المتعددة وتثقيفها. فقد تجلّت في حياته جميع مظاهر الاخلاق الانسانية تجليا كاملا. ومن هنا كان هو القدوة الكاملة للانسانية. ففي ما يتصل بالبعثة الموسوية ظهر الأنبياء واحدا إثر آخر، ولكن كلا منهم كان نموذجا يحتذى في ناحية بعينها. أما الرسول محمد فجمع في شخصه هو، وعلى نحو أسمى بكثير، جماع فضائل الانبياء الاسرائيليين كافة: - رجولة موسى، ورقة قلب هارون، وبراعة يشوع في قيادة الجيوش، وصبر أيوب، وجرأة داود، وعظمة سليمان، وبساطة يوحنا، ووداعة يسوع. وكان أول الانبياء الاسرائيليين- موسى- هو تجسيد القوة والمجد، وكان آخرهم- يسوع- هو تجسيد التواضع والوداعة. أما محمد فعبّر في شخصه عن هذين المظهرين جميعا. وهكذا فأن كل كوكب من كواكب الروح تلك كان يرسل شعاعا واحدا ليس غير في ناحية بعينها، على حين كان الرسول هو المركز الذي انبعثت منه الأشعة في كل ناحية. وهذه هي الميزة الرابعة.
خامسا: وبينا نجد منجزات كلّ رجل عظيم مقصورة على حقل معيّن، نلاحظ ان منجزات الرسول الكريم تستغرق حقول النشاط الانساني كلها. فاذا كانت العظمة، مثلا، تقوم على اصلاح شعب متردّ في مهاوي الانحطاط، فمن ذا الذي يستطيع أن يدّعي حقّ احتلال مقام الصدارة في هذا الميدان أكثر من ذلك الذي نهض بأمة كالأمة العربية من حضيض الجهالة وجعل منها حاملة مشعال الحضارة والمعرفة؟ وإذا كان قوام العظمة توحيد عناصر المجتمع المتنافرة وصهرها في كلّ متساوق فمن أجدر بهذا اللقب من ذلك الذي صهر أمة كالعرب كانت ممزقة قبائل متقاتلة بسبب من ثارات متوارثة منذ أجيال وأجيال؟ كان العرب متناثرين، مثل رمال الصحراء، عندما ظهر الرسول، فجمعهم في وحدة متراصة مزوّدة بالقوة على تحدي أشدّ

الصفحة 284