كتاب حياة محمد ورسالته
الجزء الأول
مقدّمة
لقد كانت فكرة وضع كتاب مسهب عن حياة مؤسس الاسلام العظيم ماثلة في ذهني منذ أن نهضت بعبء ترجمة القرآن الكريم إلى الانكليزية (*) قبل خمسة عشر عاما تقريبا، ولكني لم أوفّق إلى تنفيذها بسبب من ارتباطات أخرى. والواقع أن اللمحة المختصرة التي أنشرها اليوم ليست تحقيقا لتلك الفكرة بأية حال. إنها لا تعدو ان تكون عرضا متعجلا بالغ الايجاز لحياة حافلة بأنبل الدروس للانسانية، ونظرة طائر على أعظم تحوّل أنجز في تاريخ الانسان. ولست أدري هل سيفسح الله في أجلي إفساحا يمكّنني من القيام بعد بالمهمة الأشقّ، مهمة تقديم تلك القصة المشرّفة في تفاصيلها جميعا. وإلى أن تتاح لي فرصة ذلك أهدي هذه الدراسة المتواضعة إلى ذكرى من وقف حياته كلها لخدمة الانسانية على الوجه الافضل.
أنا اؤمن، شأن كل مسلم، بأنه كان لكل أمة انسانها الامثل (سوبرمان) ، أو الكوكب الساطع الذي أعطاها النور، والمصلح الذي ألهمها فكرات نبيلة، والرسول الذي رفع من شأنها أخلاقيا. ولكن محمدا، صلى الله عليه وسلم، هو الرسول الأعظم parexcellence لأنه ليس رسول أمة واحدة بل رسول أمم العالم كافة، ولأنه هو- دون
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مَرّ بنا في التعريف بحال المؤلف ما نكرره هنا
أن هذه الترجمة دس فيها اعتقاد فرقته القاديانية الضالة فلم يوافق الأزهر على نشرها، وأفتى علماء مصر حكومتهم بمنع الإذن بدخول المصحف المطبوع مع هذه الترجمة، وكذلك فعل مفتي بيروت.
فقد ملأها بالأفكار القاديانية، مما جعل الكثير من الناس يقعون ضحية تلك الأفكار ظانين أنها ترجمة رجل مسلم
لقد اتجه هذا الرجل في تفسيره للقرآن وجهة خطيرة لم يتورع فيها عن الكذب والتعسف ومخالفة أهل العلم واللغة والإجماع، وإنما فسره بمعان باطنية، فيها التركيز على إنكار الإيمان بالغيب وبالقدرة الإلهية، والأمثلة على ذلك كثيرة جدّاً، منها على سبيل المثال:
1. قوله تعالى لموسى: (اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً) البقرة/60، أي: أن الله أمر موسى بالمسير إلى جبل فيه اثنتا عشرة عيناً.
2. (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) البقرة/63، أي: كنتم في منخفض من الأرض والجبل يطل عليكم.
3. (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ) البقرة/65، أي: مسخت قلوبهم وأخلاقهم.
4. (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) آل عمران/49، المراد بالطير هنا: استعارة، أي: رجال يستطيعون أن يرتفعوا من الأرض وما يتصل بها من أخلاق وأشياء، ويطيروا إلى الله ويحلقوا في عالم الروح.
5. المراد باليد البيضاء التي أُعطي موسى: أي: الحجة، والحبال والعصي في قوله تعالى: (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ) الشعراء/44، أي: وسائلهم وحيلهم التي عملوها في إحباط سعي موسى.
6. وفي قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) سبأ/14 الآية، دابة الأرض: هو رجل اسمه "رحبعام بن سليمان" الذي تولى الملك بعده، وسمي دابة الأرض لقصر نظره، إذ كان لا يجاوز الأرض.
والمنسأة التي هي العصا: كناية عن ضعف الحكومة وانقراضها.
والجن: شعوب أجنبية بقيت في حكم بني إسرائيل إلى ذلك العهد.
وهدهد سليمان: هو إنسان! كان يسمَّى الهدهد، وكان رئيس البوليس السري! في حكومة سليمان.
وقد تلاعب بمعاني القرآن الكريم على هذا التفسير الباطني الهزلي المملوء بالأكاذيب والخرافات، وقد تلقفه المسلمون - خصوصاً من لم يعرف العربية - بكل سرور، لعدم علمهم بأن تفسير "محمد علي" للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية، إنما يراد به هدم معاني الشريعة الإسلامية والمفاهيم الصحيحة، وقد ذكر الأستاذ الندوي في كتابه "القادياني والقاديانية" كثيراً من مثل هذا التلاعب بالقرآن للتحذير وإبراء الذمة.
الصفحة 5
303