كتاب عوالي هشام بن عروة وغيره لأبي الحجاج الدمشقي

39- وبه أخبرنا أبو العباس ثعلب قال: حدثني سعيد بن عامر عن جويرية ابن أسماء عن إسماعيل بن أبي حكيم قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز والبريد الذي جاءه من قسطنطنية، قال بينا أنا أسير على بغلتي في مدينة القطسنطنية إذ سمعت غناء لم أسمع غناء قط أحسن منه، فوالله ما أدري أكذلك هو أو لغربة العربية في تلك البلاد فإذا رجل في غرفة درجة تلك الغرفة في الطريق، فنزلت عن بغلتي فأوثقتها ثم صعدت الدرجة فقمت على باب الغرفة فإذا رجل مستلقٍ على قفاه واضع إحدى رجليه على الأخرى وإذا هو يغني بيتين من الشعر لا يزيد عليهما فإذا فرغ بكى فيبكي ما شاء الله ثم يعيد ذينك البيتين ثم يعود إلى البكاء ففعل ذلك غير مرة وأنا قائم على باب الغرفة وهو لا يراني ولا يشعر بي والبيتان:
وكائن بالبلاط إلى المصلى ... إلى أحد إلى ما حاز ريم
إلى الجماء من خد أسيل ... تقي اللون ليس به كلوم
قال: قال البيت الثاني لم ينشدنيه سعيد بن عامر، قال: قلت: السلام عليك فأتيته فقلت أبشر فقد فك الله عز وجل أسرك، أنا بريد أمير المؤمنين عمر إلى هذه -[397]- الطاغية في فداء الأسارى. فإذا هو رجل من قريش وكان أسر فسألوه فعرفوا منزلته فدعوه إلى النصرانية فتنصر وزوجوه امرأة منهم. قال البريد: فقال لي: ويحك فكيف بعبادة الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير فقلت سبحان الله أما تقرأ القرآن: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} ، فأعاد علي فكيف بعبادة الصليب؟! وأعاد كلامه الأول حتى أعاده غير مرة قال: فرفع عمر يده، وقال: اللهم لا تمته أو تمكنني منه. قال: فما زلت راجياً لدعوة عمر قال جويرية: وقد رأيت أخاه بالمدينة.

الصفحة 396