كتاب نحو ثقافة إسلامية أصيلة

المَبحث الثالث نوع الحكم في الدولة الإسلامية
بينت فيما مضى أن الحكم الإسلامي ليس هو الحكم الديني "الثيوقراطي" المعروف عند الغربيين، ويجب أن يعلم أن الحكم في الإسلام لا يوصف بوصف أفضل من كونه إسلاميًّا، وقد أخطأ الذين نسبوه إلى غير الإسلام، لقد زعم أقوام أن الحكم في الإسلام ديكتاتوري، عندما كانت الديكتاتورية هي المسيطرة في العالم، واحتجوا على ذلك بما وجدوه في تعاليم الشريعة من الإلزام بطاعة الحاكم، فلما جاءَت الدول الديموقراطية وعلا شأنها نادى المهزومون قائلين الحكم في الإسلام حكم ديموقراطي، ألا ترون أن الإسلام ينصب الحاكم بالانتخاب، ويلزم بالشورى، فلما ظهر المذهب الشيوعي والإشتراكي، قال الذين لم يحيطوا بالإسلام علمًا: الحكم في الإسلام اشتراكي وشيوعي، واحتجوا على ذلك بما احتجوا به.
والحق أن الحكم في الإسلام لا يميل إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، ولكنه حكم إسلامي، والحكم الإسلامي برئ من الديكتاتورية التي تجعل الحاكم إلهًا لا يسأل عما يفعل، وتجعل قوله القول، وحكمه الحكم، الحاكم في الإسلام مقيد بالشرع محاسب على أفعاله عند المسلمين.
والإسلام ليس هو الديموقراطية، لأن الشعب في الديموقراطية يتوقف دوره عند انتخاب نوابه، والنواب بعد ذلك يشرعون ما يريدون، وفي الإسلام لا يتوقف دور المسلمين عند حدّ الانتخاب، بل تستمر مراقبتهم ومحاسبتهم للنواب والحكام، ولا يجوز للنواب والحكام أن يجاوزوا حدود ما شرع الله.
والشيوعية سلطة مستبدة تصل إلى الحكم عن طريق القوة، وتشرع للناس ما

الصفحة 326