كتاب الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (اسم الجزء: 1)

وادعائهما إياها، ولا يسعهما الادعاء بعدم الاطلاع على جهودنا، ولو ادعيا ذلك لكانا من المفترين، ولاضافا إلى إثم السطو إثم المكابرة والافتراء، لان ما ادعياه في " المقدمة " المنسوبة إليهما لم يجئ قط عن أحد غيرنا. ولم أطلع على عمل المرعشليين إلا في السنة الماضية (1978 م) وكنت ببيروت، فاتصلت بالشيخ عبد الله العلايلي، وأخذت عليه إغفاله الاشارة إلى " الصحاح " الذي حققناه، وعدم نقده مقدمة المصنف المرعشلي الذي ذكره مفردا. وأجابني الشيخ العلايلي: أنه لم يقرأ مقدمة المصنف، وأنه طلب إليه كتابة المقدمة فكتبها دون أن يطلع على عمل المرعشلي. وعجبت من جوابه أكثر من سطو المرعشلي على بحثنا وآرائنا، فقد كان فرضا على عالم بحاثة كالشيخ العلايلي أن يكون غير ما وقفنى هو نفسه عليه. وعلى أي حال يصدر " الصحاح " الاصيل من قبل " دار العلم للملايين " تلبية لرغبات أهل العلم وطلابه الذين رجوا أن يعاد طبعه، فقد خلت السوق في العالم العربي والاسلامي منه، وكنت في حاجة إلى بضع نسخ منه فلم أستطع الحصول إلا على نسخة واحدة دفعت فيها ألف ريال سعودي، ورجع إلي راغب في نسخة فذكرت له قصة النسخة التي انتهيت إليها، فذكر لي في أدب أنه يود الحصول على نسخة ولو بأكثر من الثمن الذي دفعت. وتلقيت من بلدان العالم العربي والاسلامي رسائل يطلب إلي أصحابها نسخا من " صحاح " الجوهري، فاعتذرت لهم. ولما رأيت الحاجة ملحة إلى إعادة طبع الصحاح من كثرة الطلب عليه عزمت أن أطبعه على حسابي لدى " دار العلم للملايين " فإذا هي ترجو أن يكون لها شرف نشر بعض المعاجم ومنها " قاموس الحج والعمرة " الذي ألفته فكان أول مؤلف في موضوعه يؤلف في العربية والاسلام، فوافقت وأذنت.
لا قياس بين " صحاح " الجوهري و " تقفية " البندنيجي بقلم الدكتور ابراهيم السامرائي عنيت العربية بالكلام المقفى، منذ أقدم عصورها، وهي في ذلك بدع بين اللغات السامية، فلم نعرف لغة منها كان فيها للقافية ما كان لها في العربية، وليس أدل على هذا ما حفلت به لغة التنزيل العزيز من أفانين السجع والمزاوجة. وليس أدل على ذلك - أيضا - مما أثر من هذا الضرب من الكلام في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحديث الصفوة من رجاله الاكرمين. وليس لقائل يقول لنا إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنكر على بعضهم أن يسجع في كلامه، فقال: أسجعا كسجع الكهان؟ ومن هنا كان استعماله غير حسن والرد على ذلك أن الرسول أراد أن لا يتخذ سجع الكهان في الجاهلية وصدر الاسلام مادة تحاكي وأسلوبا يتبع. لقد عني الرسول الكريم بكلامه، فجاء من نماذج البلاغة العالية، وكان من اهتمامه أن عني بالكلم، فتعرض له السجعة، فتحل في محلها عناية بجودة البناء واحكاما له، وادراكا للمعنى المراد. ألا ترى أن من عنايته بهذا اللون أنه عدل بالكلمة عن وجهها، لتجئ على نمط أخواتها، فقال للحسن بن علي بن أبي طالب - عليهما السلام: " أعيذه من الهامة والسامة، وكل عين لامة " وأراد: " ملمة " من الرباعي ألم. ويندرج في هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: " ارجعن مأزورات غير مأجورات "، وإنما أراد " موزورات " من الوزر، فقال: " مأزورات " مكان موزورات، طلبا للتوازن والسجع. وحسبك أنك لا تجد سورة من سور القرآن قد خلت من الكلم المسجوع، أو مما دخله ضرب من العناية كالمزاوجة مثلا، وإنك لتجد السورة كلها مسجوعة على نحو ما كان في سورة الرحمن، وإنك تقرأ قوله تعالى في سورة طه: طه (1) ما أنزلنا عليك القرءان لتشقى (2) إلا تذكرة لمن يخشى (3) تنزيلا ممن خلق الارض والسموات العلى (4) الرحمن على العرش استوى (5) له ما في السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى (6) وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى (7) الله لا إله إلا هو له الاسماء الحسنى (8)

الصفحة 10