كتاب الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (اسم الجزء: 1)

284 هـ‍ (987 م) سبق الجوهري في منهج التقفية بمائة سنة ونيف، لان الجوهري توفي سنة 393 هـ‍ (1002 م) وأتى بالادلة المادية، والصور الفوتوغرافية لمخطوط البندنيجي المسمى ب‍ " كتاب التقفية ". " وقد ذكر الشيخ حمد الجاسر أن هذا الكتاب من الكتب المغمورة التي قل أن يرد لها ذكر في كتب اللغة، وهذا من الاسباب التي حملت كثيرا من الباحثين على الاعتقاد بأن الجوهري هو مبتكر منهج ترتيب الكلمات العربية بحسب الحرف الاخير منها، ثم أورد الجاسر كلام البندنيجي عن طريقته، كما أورد الامثلة المختلفة الدالة على منهجه في ترتيب الكلمات. ولكن باحثا آخر استدرك على الجاسر اجتهاده فذكر الفارابي المتوفى سنة 350 هـ‍ (961 م) وهو خال الجوهري وأستاذه، ومؤلف معجم " ديوان العرب " (¬1) سبق الجوهري بترتيبه والسير على نظام الباب والفصل، وأن أصحاب المعاجم عيل على الفارابي في هذا الترتيب ". ثم أشار الدكتور بكري أمين إلى ذهابي أن الزمخشري ليس مبتكر المنهج الذي يؤسس المعجم على أوائل الكلمات حسب ترتيب حروف الهجاء، وإنما مبتكرها محمد بن تميم البرمكي. وفيما ذهب إليه الدكتور بكري مجال للقول والنقد، ومن ذلك قوله: " والثانية - مدرسة ابن دريد في جمهرة اللغة " ووجه الخطأ أن ابن دريد ليس صاحب مدرسة في معجمات العربية، لانه من مدرسة الخليل، وقد أقمنا الدليل في " مقدمة الصحاح " على انتساب ابن دريد إلى مدرسة الخليل. أما قوله: " درجنا في الوطن العربي على تقسيم المدارس المعجمية إلى أربعة أقسام " فما رأيت هذا الدرج، وما كان هذا التقسيم إلا بأخرة، ولعلي أول من قسم المعجمات العربية إلى مدارس معدودات، فقد ذكرت في " مقدمة الصحاح " هذا التقسيم، وطبعت مع الصحاح سنة 1375 هـ‍ (1956 م) . وفي سنة 1360 هـ‍ كنت بالمدينة المنورة - زادها الله شرفا وتعظيما - ودار الحديث بمجلس العالم الفاضل السيد علي حافظ في المعجمات العربية، وفي " تهذيب اللغة " للازهري، و " التكملة والذيل والصلة " للصغاني، وفي " جمهرة اللغة " لابن دريد،
¬_________
(¬1) الصواب " ديوان الادب " وقد عني مجمع اللغة المصري بنشره.
قليلة، والزاد غث لا غناء فيه؟ ثم إنك لتجد في هذا الادب الحر الجديد ميلا إلى التزام قواف ورجوعا إليها ما أمكنهم السبيل، وقد تجد القطعة التي " كتبها " صاحبها ذات وزن وقافية واحدة، ولكنه كتبها بصورة أبعدتها عن أن تكون صدورا وأعجازا لقصيدة مألوفة. ثم إن صاحبها ليعمد إلى خرم في الوزن، ومجافاة للمألوف فيه، وكأن ذاك متعمد مقصود ليشهد على نفسه أنه جديد مجدد، وأن أدبه " حر " طليق، وأن " فنا " وحيلة في رسم أشطاره ليكفي أن يكون نمطا جديدا. وأنا أسأل طائفة من أصحابنا أهل " الحر " الجديد الآخذين به، العائبين على القصيدة في أوزانها المعروفة وقوافيها أنها أدب ميت قاصر، أو مومياء محنطة، وليس خيالا " مجنحا " جديدا فأقول: لم يعمد هؤلاء المجد دون إلى اللون القديم الذي دعوه " العمودي " حين ينظمون في " مناسبة " وطنية؟ ألم يقولوا: إن " العمودي " قاصر لا غناء فيه، وإن " العمودي " لا يمكن أن يكون وعاء للجديد من الفكر، ألم تكن " المناسبة الوطنية " موحية لفكر جديد وأدب جديد ولون جديد؟ هذه سؤالات لم أتبين لها جوابا. أنا لا أنكر أن الكثير من الشعر الذي التزم فيه الوزن والقافية صناعة غثة وبضاعة بائرة، وأنه رصف ميت مفتقر إلى كثير من عناصر الحياة، غير أني أشعر - أيضا - أن شيئا كثيرا من جديد القوم مما يدعى " حرا " ضرب من كلام خلا من ظلال للمعاني، بله الجديدة منها. ولا بد لي من أن أعود إلى القافية فأشير إلى أن غير العرب من الامم السامية قد حاولوا أن يصنعوا صنيعهم، فيكتبوا نثرهم مسجوعا. ثم إن اللغويين الاقدمين لما رأوا ما للقافية من مكان في نثر العرب وشعرهم، عمدوا إلى تصنيف المصنفات في الموضوع، فكانوا يجمعون الاسجاع في الاقوال المأثورة والامثال وغيرها، منوهين بهذا الضرب من فن النثر. وقد بلغ الامر إلى أن يصنعوا معجمات تشتمل على الالفاظ التي تنتهي بقافية واحدة، مثل: الصغير، والكبير، والقدير، والحقير، وصدور، ومصدور، ومثل: جناب، وإياب ورباب، وعذاب، هكذا استوفوا جل أبينة العربية، ولم يكن غرضهم إلا جمع الاشباه والنظائر من الالفاظ التي جاءت على قافية واحدة. وعلى رأس هذه المصنفات كتاب (التقفية في اللغة) لابي بشر بن أبي اليمان البندنيجي (المتوفى سنة 284 هـ‍) والكتاب من سلسلة إحياء التراث التي تصدرها وزارة الاوقاف في الجمهورية العراقية. وقد حققه وبذل فيه الوسع الدكتور خليل إبراهيم العطية، وقد دبجه بتعليقات

الصفحة 13