كتاب الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (اسم الجزء: 1)
المسمى: كتاب التقفية "، فمردود. ودليلنا حمد الجاسر نفسه الذي ذكر أن هذا الكتاب من الكتب المغمورة التي قل أن يرد لها ذكر في كتب اللغة. أما أن " هذا من الاسباب التي حملت كثيرا من الباحثين على الاعتقاد بأن الجوهري هو مبتكر منهج ترتيب الكلمات العربية بحسب الحرف الاخير منها " فعجيب أن يصدر من علماء ذوي بصر ثاقب من أمثال الدكتور بكري شيخ أمين يغفلون عن فهم المعجم اللغوي فيحسبون الصحاح وكتاب التقفية ذوي موضوع واحد، ومنهج واحد، وغاية واحدة، مع أن البندنيجي أدرك معنى المعجم اللغوي، وعرف الفارق بين عمله وعمل المعجم فسمى كتابه " كتاب التقفية " وذكر الغاية من التأليف، دون أن يكون له منهج معجمي، وسنذكر فيما سيأتي المزيد من البيان والبرهان. أما مدارس المعجمات في العربية فأربع - كما ذكرنا في مقدمة الصحاح - وهن: الاولى - مدرسة الخليل، وسار على نهجها: ابن دريد في جمهرته، والازهري في تهذيبه، وابن عباد في محيطه، والقالي في بارعه. الثانية - مدرسة القاسم بن سلام، ونهج منهجه ابن سيده في مخصصه، والثعالبي في فقه اللغة، ومن المحدثين المعاصرين عبد الفتاح الصعيدي وحسين يوسف موسى. الثالثة - مدرسة الجوهري، ونسج على منواله الفيروز أبادي في القاموس، وابن منظور في لسان العرب، والصغاني في التكملة والذيل والصلة، وفي مجمع البحرين، وفي العباب. الرابعة - مدرسة البرمكي، وتبعها الزمخشري في أساس البلاغة، ثم ألفت عشرات المعجمات على هذا المنهج الذي صار أسلوب العصر الحاضر في تأليف المعجمات. وذكرنا سمات كل مدرسة ومزاياها، ولم نذكر مع المدارس الاربع منهجا جديدا لم نعتده مدرسة، وإن كان صاحب هذا المنهج مبتكرا ورائدا، لم نذكر منهجه ولم نعتده مدرسة، لان المنهج لم يكن متبوعا، ولم يأت بعده من يهتدي بهديه، فبقي فذا وحده ومهجورا، وهو نهج نشوان بن سعيد الحميري، المتوفى سنة 573 هـ في معجمه العظيم " شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم ". وكتبت عنه منذ زمن بعيد، وكنت بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 1361 هـ أو قريبا منها فذكر لي العلامة السيد عبيد مدني - رحمه الله - أن لديه مختصرا للشمس، ودعاني إلى منزله فزرته، ولقيت شقيقه العلامة الاستاذ السيد أمين مدني، مد الله في عمره. واطلعت على المختصر، وتحدثنا في المعجمات العربية، وكانا قد علما برأيي في تصنيفها إلى مدارس، فسألني السيد عبيد، لماذا لم تعد نشوان بن سعيد الحميري صاحب مدرسة؟ أليس مبتكر منهجه في تأسيس معجمه؟
أما الجوهري فقد عني بأواخر الكلمات وأوائلها من غير اهتمام لاوزانها أو ما هو قريب من أوزانها، وصنف الكلمات المنتهية بقافية واحدة، أي بحرف من الحروف الهجائية بحسب أوائلها، وهو يصنف مثلا في حرف الباء فصل الكاف الالفاظ الآتية: كأب، كبب، كتب، كثب، كحب، تاركا " كجب " لعدمه في العربية وهكذا يفعل في سائر الحروف، فهل شئ من هذا جاء في كتاب (التقفية) ؟ من غير شك لا. وبعد، أليس أن نتجنب العمل فنقول: إن صاحب (التقفية) أصل في ابتداع هذا النظام المعجمي، وإن " الجوهري " قد قلده، وأخذ منه الطريقة؟ ولم يكن صاحب (التقفية) بمعني بأوائل الالفاظ، وهي التي دعيت فصولا في " الصحاح ". أقول: ليس هذا من ذاك فكتاب (التقفية) ليس. إلا معجما خاصا نظير كتب " القلب والابدال " و " الهمز " و " المقصور والممدود " وغيرها من المواد اللغوية. وهذه الكتب هي معجمات خاصة - أقول: " خاصة " لانها ترمي إلى غرض معين، وهو جمع طائفة كبيرة من الالفاظ ذات صفات خاصة، وليس من غرض مصنفيها استيفاء معاني الالفاظ. إن نظرة مع موازنة بين هذه الكتب والمعجمات المطولة تثبت ما ذهبت إليه، ومن غير شك أن ليس شئ من ذلك يقربها من كتاب " الصحاح " وهو المعجم اللغوي الشامل. ولا يهمني ولا يهم العلم أن يكون هذا سابقا لذاك، ولكني وددت أن أشير إلى أن الكتابين مختلفان، لكل منهما منهج وطريقة وهدف، فليس هذا من ذاك في شئ. ولا بد من عودة إلى كتاب (التقفية) لاسجل - هنا - أن الكتاب أصابه من التصحيف والخطأ ما ذهب بنضارته، وما حمل الضيم على جهد المجقق السخي. ومن المؤلم - حقا - أن يساء إخراج كتاب جليل ينشر أول مرة على هذا النحو، ذلك أن إعادة نشره عسيرة لا سبيل إليها، بل قل أشبه بالمستحيلة. ولقد تهيأ لي فيه من المآخذ قدر كبير يطمع في تأليف كتيب صغير، مع إقراري أن عمل المحقق جيد، وأن جهده كبير، وأني لم آخذ عليه إلا مسائل يسيرة. إبراهيم السامرائي
الصفحة 15
2563