كتاب الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (اسم الجزء: 1)

كتاب " الصحاح " للامام اللغوي العظيم إسماعيل بن حماد الجوهري أصح معجم عربي، وهو أول معجم لغوي صحيح سار على نهج يسر اللغة وقربها وجعلها في متناول الناس جميعا، والصحاح - كما يقول محققه الاستاذ أحمد عبد الغفور عطار في مقدمته الرائعة التى كتبها له -: " أول معجم خطا بالتأليف المعجمى أعظم خطوة عرفها تاريخ العربية في هذا السبيل ". وعندما نشر معالي الشيخ محمد سرور الصبان مختصر الصحاح المسمى " تهذيب الصحاح " تمنى المخلصون للغة القرآن أن لو نشر " الصحاح " نفسه، فيخرج من طبعته الاولى التى أصبحت أندر من المخطوطات إلى طبعة تكون خيرا من الاولى في التحقيق والتبويب والاخراج الطباعي الجميل. وها هي ذي الامنية تتحقق بفضل الله جل جلاله، فيصدر " الصحاح " محققا تحقيقا رائعا، ومطبوعا طباعة أنيقة. أما المقدمة الرائعة العظيمة التى كتبها الاستاذ الباحث العطار، والتى أصبحت جزءا من الصحاح، فإنها تعتبر بحق دراسة مبتكرة جديدة، لم يسبق منذ ألف الصحاح أن أحدا من العلماء درسه دراسة الاستاذ المحقق،
الامام المشهور فإننا لا نرضى أن نحكم بالسبق للبندنيجي المغمور الذي لم يؤلف معجما لغويا وإنما ألف كتابا في التقفية. والمحاكاة في عمل الجوهري لعمل البندنيجي غير واردة، ولم يدعها أحد، ولا يمكن أن يدعيها، فالجوهري لم يطلع هو ومعاصروه من مؤلفي المعجمات على كتاب البندنيجي، لانهما مغموران كما قرر الجاسر نفسه، ومع هذا ادعى الدعوى الباطلة المردودة. فالامام الجوهري مبتكر منهجه ابتكارا، وقد انتهى إليه ابتداء وإن ظهر في هذا العصر على يد الجاسر أن " كتاب التقفية " تقدم معجم الصحاح بزمن غير يسير. ونحن - ومعنا الحق والعلم والتاريخ والواقع - نؤكد أن الجوهري قد انتهى إلى منهجه دون أن يكون بين يديه مثال سبقه فتأساه، وإنما انتهى إليه بعد دراسة واعية شاملة لمناهج رواد المعجمات العربية الذين سبقوه، فهو قد رأى وعورة منهج الخليل فلم يأخذ به، كما لم يأخذ بمنهج أبي عبيد القاسم بن سلام الذي بنى معجمه " الغريب المصنف " على المعاني والموضوعات، ولم يأخذ بمنهج أبي عمرو بن العلاء الذي أسس معجمه المسمى " كتاب الجيم " على أوائل الكلمات متخذا ترتيب حروف الهجاء، مبتدئا بالهمزة منتهيا بالياء، وسبب انصرافه عن منهج أبي عمرو أن الجوهري رأى فاء الكلمة غير ثابتة في موضعها، وكذلك الحرف الذي يليها وهو العين، فاتخذ منهجا جديدا يخالف ما عرف من مناهج المعجمات، وخرج عليهم بمنهج غير معروف، وأشار الجوهري نفسه إلى منهجه في مقدمة الصحاح قائلا: " على ترتيب لم أسبق إليه، وتهذيب لم أغلب عليه ". والجوهري صدوق، وقوله هذا حق كله، فهو لم ينهج نهج الفارابي في كتابه " ديوان الادب " مع أن منهجيهما يلتقيان في بعض النقاط. وكلمة الجوهري: " على ترتيب لم أسبق إليه " تدل على أنه لم يطلع على كتاب التقفية للبندنيجي المغمور هو وكتابه، وما دام الجوهري الامام الحجة الثبت الصدوق يقول: إن ترتيبه لم يسبق إليه فالقول قوله، لان الحق معه، ولا يلتفت إلى قول الجاسر الذي لا يعرف الفارق بين المعجم وغيره. ومن آيات صدقه أن منهج الجوهري يختلف عن منهج البندنيجي اختلافا واضحا مشهودا في تأسيس كل منهما كتابه بحيث لا تخطئه عين عالم، وسبب كل منهما في التأليف غير سبب الآخر، فالبندنيجي أراد من تأليفه تيسير القافية على راغبيها من الشعراء، وهو مطلب خاص بفئة من الناس هي ندرة نادرة فيهم، وليس الشاعر الفحل المطبوع بحاجة إليه. ولهذا نجد البندنيجي حشد المادة في بابها دون مراعاة الترتيب المعجمي السليم، فهو

الصفحة 3