كتاب الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (اسم الجزء: 1)
397 هـ، وتوفي الزمخشري سنة 528 هـ، مما يثبت ثبوتا قاطعا أن البرمكي أسبق. وكتب عن الصحاح وقيمته العلمية ومزاياه وأثره في محيط العربية والتأليف اللغوى والمعجمى بحثا جديدا غنيا بالمادة العلمية. وما أشك أن الصحاح أجدر معجم بالنشر، لانه يمتاز عن كل المعجمات التى عاصرته أو سبقته بميزات منها: أن المعجمات العربية التى سبقته أو ألفها أصحابها في عصر الجوهري أو بعده بقرن ليست سهلة أمام الباحث - باستثناء المجمل والمقاييس لابن فارس - بل هي صعبة، وهى متيهة تجهد الباحث وتعييه، فكتاب العين للخليل بن أحمد - الذي يعد أول معجم في العربية كلها إذ لم يؤلف معجم قبله، لان الخليل هو مبتكر فن تأليف المعجمات في العربية كلها، كما ابتكر علم العروض - ليس سهلا أمام من يريد أن يبحث فيه عن كلمة مغلقة المعنى، لانه سار على نظام مغلق الابواب، ألا وهو ذكره الكلمة ومقلوباتها، مثل: قبل، تقلب إلى: قلب وبقل وبلق ولبق ولقب، فإذا أردنا كلمة منها لا نعرف في أي الابواب ذكرت، لاننا لا نعرف أيها الاصل وأيها الفرع. سار على نهج العين ابن دريد في كتاب " الجمهرة " والازهري في " تهذيب اللغة " وكلاهما مثل كتاب العين في الصعوبة والوعورة. وكان الناس قبيل الصحاح لا يفيدون من المعجمات المعدودات، بل كان العلماء أنفسهم لا يستطيعون الوصول إلى الكلمات التى يريدون الوقوف على معانيها إلا بجهد جهيد، حتى الف الجوهري صحاحه فمهد الطريق وعبده أمام الناس، حتى الشادي نفسه يستطيع بقليل من المعرفة بالمعاجم وطريقة البحث فيها أن يهتدي إلى ضالته من الكلمات. ومن هنا كانت مزية الصحاح على كل المعجمات التى سبقته أو عاصرته. وإذا يسر الله من يحققه تحقيقا علميا دقيقا، ووفق له من ينشره نشرا رائعا جميلا فإن ذلك من آيات حفظ الله للغة القرآن والسنة بحفظ أمثال " الصحاح " ونشره ليعم به النفع، وتصان اللغة.
قصيدة واحدة، ولا يمكن أن تأتي فيها لاختلاف تفعيلات البحور، ولو جاءت قوافي قصيدة واحدة لكان الميزان مضطربا، والخلل كريها، وكان حريا بمن يريد من كتاب يؤلفه لاصحاب القوافي أن يضمن لهم اليسر، مع أن الامر بين، ولو اهتدى بهدي الشعراء في قصائدهم لادرك ذلك، ولكنه لم يفطن للقافية في القصيدة الواحدة، فحشد الكلمات وحشرها كما اتفق له. والاختلاف واضح بين منهجي البندنيجي والجوهري وعمليهما وقصد كل منهما في عمله. وإن سبق البندنيجي في الوجود وسبق كتابه لا ينفيان ابتكار الجوهري منهجه، بل يثبتان له الابتكار الذي يؤكده أن البندنيجي نفسه وكتابه معه مغموران، وليس نهجه نهج الجوهري الذي يختلف كله عن نهج البندنيجي في تأسيس المنهج وطريقته. وما دام الجاسر نفسه يثبت ذلك ويذكره فلا يصح أن ينفي عن الجوهري ابتكاره لمنهجه المعجمي الذي لم يسبق إليه. ومن الثابت المؤكد أن البندنيجي لم يرد من كتابه تأليف معجم لغوي، وإنما أراد تيسير القافية على الشعراء، ولم يرد غيره، وأما الجوهري فلم يرد خدمة الشعراء وإنما أراد أن يقدم معجما فقدم أصح معجم عربي خطا بالتأليف المعجمي أوسع خطوة عرفها تاريخ المعجمات العربية. وقد وهم بعض الباحثين فذكروا سبب ترتيب الجوهري صحاحه على أواخر الكلمات وزعموا أن أراد تيسير القافية على الشعراء والسجع على الكتاب، ورأينا نحن رأيا غير ما رأوا، وقلنا في " مقدمة الصحاح " صفحة 121 - 122: " وقد ذكر بعض الباحثين العلماء أن سبب اختيار الجوهري - أو من تبعه - ترتيب معجمه على أواخر الكلمات: التيسير على الشعراء والكتاب والنظم والنثر، فالكتاب كانوا يلتزمون السجع، والشعراء القوافي، فهم في حاجة إلى كلمات باعتبار أواخرها، أو أن غلبة السجع أو نظم القوافي هديا مؤلفي المعجمات - وعلى رأسهم الجوهري - إلى هذه الطريقة. " ونحن لا نقبل هذا الرأي ونراه غير علمي، وإذا صح هذا السبب فما أهون شأن مؤلفي المعجمات وما أضأل القصد! " والذي نراه أن منهج الجوهري في ترتيب صحاحه باعتبار أواخر الكلمات غير مقصود منه تيسير الامر على الشعراء والكتاب، حتى يجدوا السجع وكلمات القوافي دون عناء، بل أراد الجوهري أن يؤلف معجما للناس جميعا دون أن ينظر إلى طائفة واحدة
الصفحة 5
2563