كتاب الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (اسم الجزء: 1)

والاستاذ العطار أغنانا بما كتب في مقدمته العظيمة عن وصف الصحاح، فهو لم يترك مجالا لقائل أو كاتب أو باحث. فهو قد درس الصحاح وأعطاه حقه فوفاه القول والبحث، وذكر ما له وما عليه، وقدم دراسة بكرا لم يسبق إليها، وحشد من آرائه الصائبة وبحوثه المبتكرة ما ملا به أكثر من خمسين ومائتي صفحة (¬1) جديرة بالاطلاع عليها والاهتمام بها من قبل العلماء والادباء والمفكرين. والحق أن هذا الكتاب أو المقدمة تعد أول بحث علمي في بلادنا، يقوم على قواعد محكمة، ومنهج علمي دقيق، تشارك به بلادنا شقيقاتها، فليس في هذا البحث فضول من القول، بل كله بحث وعلم، وأسلوب المؤلف في مقدمته أسلوب عربي رائع رصين، وبيانه آية في الروعة والجمال. وحسبنا أنه أسلوب العطار وبيان العطار. وينتهي الكتاب أو المقدمة بفهارس في منتهى الدقة وجمال الترتيب، والفهارس الموضوعة هي: فهرس الاعلام، وفهرس، الاماكن والبلدان، وفهرس الطوائف والاجناس، وفهرس الكتب الواردة أثناء البحث، وفهرس المراجع (¬1) . أما المقدمة التي كتبها أديب العربية الكبير الاستاذ العقاد. فهي آية في البحث العلمي، وذكر الاستاذ العقاد آراء آية في القوة والصواب والروعة، وليس غريبا على الكاتب الجبار أن يبدع القول فيما كتب، فالعقاد - دائما - يمتح من فكره وقلبه ومنطقه، وما كتبه في مقدمته " المركزة " خلاصة دراساته في الآداب والعلوم والفنون نصف قرن، والعقاد من أقوى علماء العربية المعاصرين، ومن أعظمهم اطلاعا على أصول العربية وأسرارها ونوادرها، وبحوثه فيها بحوث ناضجة لا تتاح إلا لمن كان في مثل ثقافته الواسعة وذهنه الجبار.
¬_________
(¬1) قبل أن تصدر " مقدمة الصحاح " مع الصحاح ظهرت في كتاب مستقل تحت عنوان " الصحاح ومدارس المعجمات العربية " وتقع في 284 صفحة وملحق بها الفهارس التى أشار إليها جلالته.
يؤثرها بعمله العظيم. " أما المنهج الذي اتبعه فهو من ابتكاره، وهداه إليه علمه الواسع بالصرف واشتغاله به، فهو قد رأى أن ميزان الكلمة الفاء والعين واللام، والتغيير يلحق ما قبل لام الكلمة، وتنقلب " فعل " بين أحوال كثيرة وتأتي في صور شتى، وهي: أفعل وفعل وفاعل وانفعل وافتعل وافعل وتفاعل وتفعل واستفعل وافعوعل وافعول وافعال. " وهذه - هي - أوزان مزيد الفعل المجرد، ويظهر منها أن التغيير تناول الفاء والعين، فتارة يتقدم الفاء حرف وتارة حرفان، وتارة ثلاثة، أما العين فقد تنفصل عن الفاء وقد تنفصل عن اللام، وقد تضعف. " أما لام الكلمة فثابتة لا تتغير مهما اختلفت صورة الكلمة إلا في حالات قليلة، ومتى لحقها التغيير أو زيد بعدها حرف أو حرفان فإن الكلمة تنتقل إلى أوزان أخرى، ولا تعتبر من الثلاثي، بل تصير رباعية، أو خماسية (¬1) . " رأى الجوهري أن الفاء والعين لا تثبتان في موضع، ولا تبقيان على حال، أما اللام فثابتة، فترك ترتيب الكلمات على أوائل الحروف لان فيه متيهة الباحث الذي لا يعرف التصريف والمجرد والمزيد، فكلمة " أكرم " واستنوق وترهل ومحجة تضلل الباحث الشادي، بل رأيت بعض العلماء يضلون في الكشف عن مواضعها من المعجم، ولا يعرف في أي حرف هي. " أما طريقة الجوهري فمأمونة هادية، فيجد الباحث " أكرم " وكل ما تفرع من مادة " كرم " في باب الميم، واستنوق في باب القاف، وترهل في باب اللام، ومحجة في باب الجيم، وإذا كان الباحث عارفا بالمجرد والمزيد فإنه سيجد أكرم في فصل الكاف، واستنوق في فصل النون، وترهل في فصل الراء، والمحجة في فصل الحاء. " وأعتقد أن ما ذكرته هو الذي حمل الجوهري على اتباع منهجه الذي ابتكره ابتكارا، أما السبب الذي رآه بعض العلماء - وذكرناه - فهو رأي لا قيمة له علميا. " وأعانه على هذا الابداع في نظامه علمه الواسع بالنحو والصرف حتى قيل في وصفه: إنه " خطيب المنبر الصرفي، وإمام المحراب اللغوي، وإنه أنحى اللغويين ". وما نزال عند رأينا وهو أن الجوهري سابق متفرد، وإمام هذه المدرسة دون منازع، ومبتكر فإذ، ومبتدع منهجه ابتداء لم ينظر فيه إلى مثال سبقه.
¬_________
(¬1) استدراك: ليس هذا تغييرا في لام الكلمة، فهي ثابتة لا تغيير، وإن زيد بعدها حرف فهو من جنسها، وأما الضمائر التي تأتي في أواخر الافعال فلا تغير من بناء الكلمة.

الصفحة 6