كتاب مشكلة الثقافة

والعقلية، ومن الطاقات الاجماعية والاقتصادية والسياسية، وهي في غايتها باعتبارها حضارة يجب أن تتمثل تركيب هذه القوى جميعاً.
فالتماسك الداخلي الذي أودعته باندونج بين هذه الطاقات، قد استمدَّ من مبدأ فكري مشترك يكمن أساساً في النزعة المعادية للاستعمار لدى الشعوب الأفرسيوية .. ولكن التطور الذي يجب أن يخلف وراءه مرحلة الاستعمار، سيتجاوز حتماً نزعة العداوة للاستعمار أيضاً، وبالتالى فإن فكرة الأفرسيوية يجب أن تؤسس منهجها الأخلاقي على مبدأ إيجابي أكثر من ذلك، على ألا يكون في جوهره دينياً، حتى لا نخلع على الفكرة صفة (الكتلة) الدينية.
فإذا ما حاولنا المزاوجة في أساس هذه الفكرة بين الإسلام والهندوسية، فإن الأمر لن يكون محاولة للتلفيق والاصطناع، بل لابد من ميثاق أخلاقي بينهما ليتخذا وجهة دولية واحدة، وليس في هذا تجديد للمحاولة العابثة التي قام بها الإمبراطور (أكبر) الذي أراد في القرن السادس عشر أن يؤسس إمبراطوريته في الهند على أساس تلفيق وحدة إسلامية هندوسية.
إن الأديان لا يمكن أن تتنازل كيما تستغل وسائل لمثل هذه الغايات، ولو أننا أردنا درساً من الماضي فإن تاريخ الغرب يعطينا اياه، فلقد قامت الحضارة الغربية في بدايتها على هيكل أخلاقي مسيحي، أتاح لها التماسك والوثبة الضرورية لازدهارها؛ لكن تطورها قد غير هذا الأساس العقيدي شيئاً فشيئاً، إلى أن صار هيكلاً مختلطاً يتمثل فيه التفكير الكاثوليكي والبروتستانتي، وما يسمى بالتفكير الحر والتفكير اليهودي، وعليه فلا مجال لأن نبحث عن التماسك والتوافق في تلفيق ديني مصطنع.
ولقد كانت نزعة معاداة الاستعمار كافيذ في مبدئها لتكون وسيلة لإحداث التماسك بين العناصر الممثلة في باندونج، لكنها فضلاً عن أنها ستنتهي بفعل

الصفحة 105