كتاب مشكلة الثقافة

غذى عبقريته، ابتداء من (فيدياس Phîdias) حتى (ميشيل آنج Michel Ange) كما وجد فيه مقياس تنظيمه العقلي من أرسطو إلى ديكارت.
(والتراث) الأفرسيوي يمكن أن يجد عناصره أولاً في المركبات النفسية التي أدت دوراً في الصراع من أجل التحرر، وهي مشتركة بين جميع الشعوب التي خاضت هذا الصراع، ثم إنه سيجدها في الاتجاه الذي يختط للفكرة الأفرسيوية وجهتها الخاصة بها في العالم، وجهة المصير المشترك بين الشعوب السائرة تحت لواء خطر الحرب.
وإذا كان إلهام الثقافة الكلاسيكية في عصر النهضة الأوروبية قد اتجه بخاصة نحو الجمال وفلسفته أكثر من اتجاهه إلى أي شيء آخر، فإن الثقافة الأفرسيوية ملزمة بسبب مأساة هذا القرن العشرين، بأن تتجه أولاً نحو الأخلاق وفلسفتها لتحديد مثلها الأعلى، ثم نحو الصناعة لخلق وسائلها إلى هذا المثل الأعلى. فإنقاذ الإنسان من البؤس والفاقة على محور طنجة - جاكرتا، وإنقاذه من حتمية الحرب على محور واشنطن - موسكو، هما بالنسبة لنا الضرورتان المحددتان للمشكلة كلها: مشكلة بقائه، ومشكلة اتجاهه، وهذه الضرورة المزدوجة تسيطر بصورة طبيعية على تحديد ثقافته، وبالتالي تسيطر على تحديد منهجه الأخلاقي.
وستجد الفكرة الأفرسيوية- بمقتضى ازدواجها الروحي- مبدأها الثاني في فكرة (عدم العنف)، ذلك المبدأ الذي نعرف دوره المنقذ في تحرير الهند، والذي لا زال يلهم حتى يومنا الحوار الدولي، بوصفه قانوناً لا يقبل الانفكاك عن المحاولات الإنسانية في الميدان السياسي.
لكنا لا يمكننا أن نضم هذه الملحمة إلى الفكرة الأفرسيوية دون أن ندخل فيها في الوقت ذاته بطلها الأسطوري: (غاندي)، ذلك الوجه المحاط بهالة من نور الشهداء، الوجه الذي يتجلى في أروع صفحة من تاريخ عصرنا، ويزيد في

الصفحة 108