كتاب مشكلة الثقافة

روعته أن الفصل الأول في مجموعة مواقفه فصل رمزي، نرى فيه المهاتما يدخل الميدان السياسي لأول مرة في صحبة رجل مسلم، هو (حاجي حبيب) الذي أيده مادياً وأدبياً منذ المؤتمر الأول الذي أعلن فيه المهاتما خطته (طريق الحقيقة Satyagraha) في 11 من أيلول (سبتمبر) 1906 بمسرح امبريال في (جوهانسبرج) بجنوب إفريقية.
هذا الرمز لا يقتصر في تأثيره على الناحية السياسية، بل يتعداها إلى نطاق الروح، وحسبنا أن نعرف كم كان غاندي يميل إلى أن يغذي فكره من جميع منابع الغذاء الروحي، كالقرآن والإنجيل و (التهاجافاد- جيتا: كتاب الديانة الهندوسية).
إن المتاحف في آسيا وإفريقية غنية بالوجوه الجليلة، وبالأسماء والمُثُل، لكي نستمد منها عناصر أخلاقية نحتاج إليها في بنائنا لتراث أفرسيوي، وسيكون غاندي ولا ريب في أحد الأبهاء الفخمة التي تحتوي صور الرجال العظماء.
وكما أن الثقافة تتحدد بعناصرها المستمدة من الروح الأخلاقي فإنها تتحدد أيضاً بالجمال، وإذا كانت الثقافة قبل كل شيء (محيطاً)، فمن الواضح أن العنصر الجمالي يؤدي فيها دوراً رئيسياً، إذ أن القدرة الخلاقة مرتبطة دائماً بالانفعال الجمالي، بل إن مقدرة الفرد على التأثير مرتبطة أيضاً ببعض المقاييس الجمالية، ومن المعلوم مثلاً في ميدان التجارة والصناعة أن ((الصنف الرديء لا يباع)).
على أن القيمة الجمالية يجب أن ينظر إليها خاصة من الوجهة التربوية، فهي تسهم في خلق نموذج إنشائي متميز يهب الحياة نسقاً معيناً، واتجاهاً ثابتاً في التاريخ بفضل ما وهب من أذواق وتناسب جمالي.
ومن المؤكد أن تتغير (الدودة الصينية) الجرباء ذات الأطمار إلى (نملة

الصفحة 109