كتاب مشكلة الثقافة

هذا التغيير الذي أصاب المستوى لا يتوقف مطلقاً على ظروف مادية كما يحسب الناس غالباً في بلادنا، بل إنه يقوم على شروط أخلاقية، فهو يتم أولاً في الأفكار قبل أن يتم في نطاق الأشياء.
فغاندي لم يكن يتصرف في صاروخ كوني، أعني في (شيء) ذي مستوى عالمي، وإنما كان يملك ضميراً تراحب حتى وسع العالم.
ولقد خول له هذا الضمير قدراً من العالمية أكثر مما تخوله (الأقمار الصناعية) لأصحابها اليوم، فإذا بالهند التي ورثت عن غاندي مبدأ (عدم العنف)، قد أصبحت بفضل هذه الفكرة البسيطة أمة في الطليعة بالنسبة لمجموع المشكلات التي تثيرها قضية السلام.
فهيبة الأمة قد تكفلها لها أحياناً الأفكار، إذا ما تناغمت هذه الأفكار مع المرحلة التي تجتازها الإنسانية.
ولقد يحدث أن يخطئ الفتى المسلم في تقديره للمشكلات والأشياء، فهو غالباً ما يخطئ عندما يعتقد أن الذي ينقصه في وضعه الراهن إنما هو الصاروخ، أو على الأقل البندقية التي يؤدي بها كما يتوهم واجبه العاجل.
فضميره هنا قد أصيب بانحراف، لأنه يحسب حساب حضوره الفذ وسط عالم يشعر بأنه لا مكان له فيه، ولكنه يفسر أصل دائه تفسيراً خاطئاً حتى يعزوه إلى نقص (أشياء) كثيرة في حياته، على حين أن ما ينقصه إنما هو (الأفكار).
وسنظل نكرر ونلح في تكرارنا أن أزمة العالم الإسلامي منذ زمن طويل لم تكن أزمة في الوسائل، وإنما في الأفكار، وما لم يدرك هذا العالم تلك الحقيقة إدراكاً واضحاً، فسيظل داء الشبيبة العربية الإسلامية عضالاً، بسبب تخلفها عن ركب العالم المتقدم.

الصفحة 117