كتاب مشكلة الثقافة

فلكي نتغلب على مرضنا ينبغي أن نكتشف طريق الأمة المرشدة، أعني الطريق الذي لم تترسمه أمة قبلها.
ولهذا ينبغي أن نختار من بين الاتجاهات التي تتجه نحوها الإنسانية فنأخذ بزمام أحدها، ثم نسبق إلى الطليعة.
وبوسعنا أن نقول: إن الهند قد بلغت اليوم مرتبة الأمة المرشدة في بعض الميادين، لا بفضل أنها تملك القنابل الهيدروجينية أو الصواريخ عابرة القارات، فهي لا تملكها، وإنما كان ذلك بفضل الروح الذي خلفه لها غاندي، فإذا بها تتصدر موكب الإنسانية في اتجاه السلام.
فعلى المربين في البلاد العربية والإسلامية أن يُعَلّموا الشبيبة كيف تستطيع أن تكتشف طريقاً تتصدر فيه موكب الإنسانية، لا أن يعلموها كيف تواكب الروس أو الأمريكيين في طرائقهم، أو كيف تتبعهم؟
ولو أتيح لهذه الشبيبة أن تعتنق مشكلة تكامل الإنسانية اعتناقاً تمنحها معه كل ذكائها وكل قلبها، حتى تجعل منها رسالتها، فسوف تحتل مقام الصدارة في الزحف نحو اتجاه جديد، نحو تقرير مصائر الإنسانية، ولعلها بذلك تمحو الشرور التي تفشت اليوم في حنايا أنفسنا، ولعلها أيضاً تمحو بعض الشوائب والمذاهب التي خامرت عقولنا.
تتحدد صورة الثقافة بصفة عامة عندما تصبح تاريخاً، فتتمثل لأعين الأجيال في صورة معجزة إغريقية أو إمبراطورية رومانية، غير أن القرن العشرين قد أدخل مقياساً جديداً في روح المنهج وفي الطريقة التي تحدد بها الثقافة، فالإنسانية قد دخلت عصر التخطيط منذ الحرب العالمية الأولى، وإذن فإذا أردنا أن نفهم الثقافة في هذا العصر، وجب أن نفهمها بوصفها منهاجاً قبل أن نحددها نتيجة. وعلى ذلك فإذا ما واجهنا اليوم مشكلة الثقافة الإفريقية وجب

الصفحة 118