كتاب مشكلة الثقافة

حدثنا التاريخ كيف طردت أثينا إسبرطة حينما أرادت أن تجعل من نفسها عاصمة لإميراطورية عسكرية.
وهناك حتمية أخرى تدخل في هذا التحديد نطلق عليها الحتمية الجغرافية، فلكل ثقافة رقعتها حيث تكتشف منابع إلهامها، ولها مجال معين تكون فيه وعيها للمشكلات، كما تجد فيه وسائل حل هذه المشكلات. وإنا لنرى في خريطة العالم القديم الرقعة التي انتشرت عليها الحضارة الهلينية، وهي الأرض التي عليها تكونت معجزة الإغريق من العناصر التي أمدّها بها إنسان هذه الرقعة وترابها ووقتها.
كما أننا نرى في الثقافة الرومانية الاستجابة للمشكلات التي نبتت على الأرض التي سيطر عليها (السلام الروماني Pax Romana)، فمن قبل أن تصبح هذه الأماكن (متحفاً) يقدم لنا التفسيرات التاريخية عن ثقافة الماضي، فإنها كانت معملاً تركبت فيه عناصر تلك الثقافة، وإن هذه الآثار التي خلفها لنا الماضي لتستطيع- بقدر ما في هذه النظرة من صواب- أن ترشدنا اليوم.
ولاريب أن في إفريقية متحفاً هاماً للثقافة، ينبغي ألا ننساه إذا ما أردنا أن نصنف بعض عناصرها، وخاصة ما يتصل بالقيم الأخلاقية والجمالية الإفريقية، التي لا يجوز إغفالها عند أي تخطيط للثقافة، فلسنا نشك في أن هذا المؤتمر يعد إلى حد ما مؤتمر تخطيط، وهذا يعني أن أعمالها تتجه نحو المستقبل أكثر مما تلتفت إلى الماضي.
فإذا سرنا على هدي التاريخ كان علينا أن ندرس المشكلة في ضوء عنصرين محددين هما: مزاج الثقافة ورقعتها.
أما المزاج: فإنني أرى أنه من غير سبر دقيق لأعماق النفسية الإفريقية، ودون إضرار بالنتائج التي يمكن أن نستخلصها، نستطيع أن نفترض عملياً أنه من

الصفحة 120