كتاب مشكلة الثقافة

ولسنا بحاجة إلى القول: إن المنظمات الثقافية العالمية كاليونسكو تستطيع أن تقوم من ناحيتها بدور مؤثر في معالجة الضمير الأوربي، وحينئذ تكون المهمة أسهل، وخاصة إذا اختيرت لها طرق أقل تزمتاً مما جرت به العادة، وذلك حتى تواجه بها الجماهير، وليس النخبة فقط. فالثقافة الإفريقية ينبغي ألا تكون أقل إشعاعاً خارج إفريقية منها في أعمالها لتحضير قارتها. وحينها تكون قد خلصت الدول المتحضرة من الاستعمار، والشعوب المتخلفة من القابلية للاستعمار فإنها تكون بذلك قد أسهمت في تكوين الضمير الإنساني، وبهذا تكون قد كونت لحظة هامة في التطور الاجتماعي والروحي للإنسانية، لحظة تتلاشى فيها قضايا الماضي ونقائصها لتخلي مكانها للتركيب الذي من شأنه أن يعيد للإنسان قيمته، حتى لا يبقى مستعمِر ولا قابل للاستعمار، غير أن مهمة الإنسانية اليوم خاضعة في عمومها لقضية السلام، التي تفرض نفسها مقدماً على كل مشروع اجتماعي أو روحي في العالم الراهن، فمشكلة السلام قدى أصبحت هي النقطة التي تلتقي عندها خيوط التاريخ جميعاً.
ولن يتاح للثقافة الإفريقية أن تأخذ مكانها بحق في التخطيط العالمي للقرن العشرين، ما لم تتجه نحو هذه النقطة الرئيسية، واضعة مشكلة السلام من بين المهام الرئيسية التي تضطلع بمواجهتها.
وهذه المهمة الثالثة تضعها أمام اختبار:
فماذا يمكن، وماذا يجب على هذه الثقافة الإفريقية أن تقدم لحل هذه المشكلة العالمية؟
إن العالم مثقل بالعلم وبثقافة الإمبراطورية، إنه يضج بروح الحرب وبوسائل الحرب، ولكن هناك فراغًا كبيراً من الضمير ينبغي له أن يمتلئ، وعلى الثقافة الإفريقية أن تتحدد طبقاً لهذا.

الصفحة 126