كتاب مشكلة الثقافة

ذلك أن روح باندونح التي تركها كي تلقى مصيرها أولئك الذين أوجدوها أنفسهم، قد انطفأت كما تنطفئ نار معبد هجره سَدَنته.
وروح جنيف تبدد كما يتبدد الحلم، وخطط تصفية الاستعمار تتابعت وتتتابع اليوم في جوّ من العنف متزايد، مرتدة أحياناً إلى سيرورة استعمار جديد كما في فلسطين وفيتنام وإفريقية الجنوبية.
وأخيراً فالعالم الثالث ينزع نحو الإغراق في تخلفه أكثر فأكثر، اللهم إذا استثنينا تلك الحالات التي حدثت فيها بالتحديد تحولات ثقافية جادة كما هو شأن كوبا والصين.
وبكلمة أخرى فإذا قسنا الأمور بالمقياس الذي قسنا به المهمات، التي حددناها في الفصل السابق لعشر سنوات خلت رأينا:
أ- أن الرجل المتحضر قد أصبح أكثر همجية، فمستواه الأخلاقي قد انخفض بشكل ملحوظ.
ب- أن الإنسان الإفريقي لم ير مستواه الاجتماعي قد ارتفع إلى ما كان يأمل أن يرتفع إليه.
جـ- أن السلام أخيراً- تلك الفكرة المهيمنة، والموضوع المحوري لباندونج- هو اليوم كما لم يكن في يوم مضى في ظل السلاح.
يمكن في الواقع ومن خلال موقف كهذا، أن تتكون فلسفة تسمح بالقول: إن إنسان العالم الثالث، والإفريقي على وجه الخصوص، لم يخدم قضية السلام، إذ لم يكن بإمكانه القيام بهذه المهمة.
وبوضوح أكثر فإن إفريقيا (منظمة الوحدة الإفريقية) لم تطرح- كما هو معلوم- مشاكلها بلغة القوة في (أديس أبابا)، وهي لم تعلن عن استعداد ما

الصفحة 132