كتاب مشكلة الثقافة

فالوظيفة الاجتماعية للثقافة تتطلب الكثير من التحديد، خصوصاً في المعطيات السياسية للبلاد الحديثة التي خرجت من عصر الاستعمار، وبدأت بناءها الاجتماعي.
هنا فإن كل وتيرة لهذا البناء، وكل قيمة اجتماعية له، وكل خلفية تاريخية، ترتكز على الثقافة وحدها التي تبعثه وتحييه.
ذلك أن حرب التحرير في أي بلد إفريقي، تفتح الطريق سياسياً إلى السيادة القومية، واجماعياً تقود إلى وضع تتراكم فيه المشاكل الناشئة عن النظام الجديد، وتضاف إلى المشاكل التي خلفها النظام الاستعماري.
والنظام الجديد يبنى أساساً في ظل تباشير دولة، هي أبعد من أن تكون مجرد تأكيد للسيادة الوطنية، بخطها الدستور في أسطره الأولى؛ إنها بناء الأجهزة الأساسية لتطوير هذه السيادة في أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
فتأكيد السيادة قد تحقق بدماء أولئك الذين قادوا معركة التحرير، لكن توطيدها في الحياة العامة يقع على عاتق الأحياء. إنه يرتكز على جلَدهم في العمل، على النظام، وعلى حماستهم في مهماتهم اليومية. وبكلمة واحدة على ميزة ثقافتهم.
وبتعبير آخر، فالثقافة تستطيع أن تمنحنا اللحظات الممتعة، إذ توحي إلينا أن نُنشد أحياناً مجتمعين، وأن نرقص مجتمعين، ونضحك مجتمعين؛ والأداء الحسن لذلك كله ظاهرة مشجعة وجمالية ينبغي عدم الاستخفاف بها. ولكن دورها الأساسي أن تعلمنا العيش المشترك والعمل المشترك، وخاصة الكفاح المشترك.

الصفحة 134