كتاب مشكلة الثقافة

روحها وواسع عفويتها العاطفية المتعاطفة، وعميق مخزونها البكر من روحها كما تخلق القيم الجديدة النافعة والصلبة معاً.
لكن الثروة الثمينة هذه معرضة للأخطار، فنحن في عالم ما زال ملطخاً بخطيئة الاستعمار إزاء أولئك المشغوفين بـ (ثقافة سيطرة)، ولا يريدون أن يتيحوا للشعوب التي خرجت حديثاً من ربقة الاستعمار، إمكانية تحقيق (برنامج ثقافة) ولا أن يحافظوا على (لاثقافتهم) بكراً لا يمسها سوء.
هناك أفلام، وهناك أسطوانات، وهناك مجلات خلاعية. وهناك كتب التربية الجنسية، وهناك أساليب التخنث والترجل، وهناك مجون نشاهده أمام أبصارنا، وهناك حتى فلسفة اللذة الجنسية كما تضع الشباب على طريق الفرويدية. وهذه كلها ليست إلا مظاهر منظورة أو غير منظورة لوحش متعدد الأطراف، واسع المدى، قذر تسمم أنفاسه الملوثة مناخاً، تولد فيه القيم الثقافية الأصلية، وتمتد أطرافه تتلوى كالأفعى، لزجة الدبق، تمسك بقوة وتنزلق، لتحم الخناق وتخمد في أعماقنا وفي قلوبنا وفي عبقريتنا وفي روحنا، تلك الثروة الأساسية التي هي المنطلق في تحديد (منهج ثقافة).
ولا ريب أن هنالك مشاريع حقيقية لما هو ضد الثقافة، تولد تحت الأشكال والعناوين كافة، لتجهض بالوسائل المصطنعة أخلاقياً وفكرياً البرامج التي ينمو في إطارها هذا الرأسمال ويزداد.
لكن يضاف إلى هذا الخطر وهو يأتي من الخارج، خطر يأتي من أنفسنا، فـ (لينين) اشتم هذا الخطر في بداية مجتمع وليد، عندما وجه تحذيره الشديد (ضد كل محاولة تحجيم للقيم الثقافية لتتلاءم مع إطار الثقافة البروليتارية).
ينبغي أن ننقي مفهوم الثقافة من التراكم الأدبي، ومن كل أكاديمية ومن كل إقحام فولكلوري.

الصفحة 137