كتاب ميلاد مجتمع

يفطروا رمضان لمواجهة ضرورات البناء الاجتماعي، كأن هذا البناء يمكن أن تقوم قائمته دون أسس أخلاقية، أو كأنما يمكن في أي بلد فصل الجهد الاجتماعي عن القوى الأخلاقية التي تسانده، دون هدم هذا الجهد ذاته، وطبيعي أن هذا مستحيل.
وإن التجربة الحالية في الاتحاد السوفييتي لترينا إلى أي حد يهتم هذا البلد في تخطيط بنائه الاشتراكي بجميع إمكانيات الإيمان الشيوعي، وبجميع القوى الأخلاقية التي يحركها؛ فلو فرض أن قال أحد القادة الشيوعيين أية قولة تضر بوحدة النشاط التي تضم جميع القوى الأخلاقية والمادية في البلد، في عمله المشترك، إذن لاتّهم بالجنون، وفصل فوراً من قيادة الحزب.
وهذا كله يبين لنا أن المسلم لا يستطيع أن يحقق وحدة شخصه في هذه الظروف.
وتاريخ هذا الانفصال يرجع بلا شك إلى عهد جد بعيد، فقد حدث أولاً بين العنصر الروحي والعنصر السياسي، بين الدولة والفكرة الدينية. ويمكن أن نؤرخ هذا الانفصال الأول بمعركة صفين، ولكن آثاره أخذت تتفشى في العالم الإسلامي كأنها مرض عضال لم يوجد له علاج.
واليوم غدا الانفصال بين الروحي والاجتماعي، وآثاره هي ما نلاحظ في سلوك المسلم الحديث في المسجد وفي الشارع.
وبعبارة أخرى: يجد المسلم (نفسه) في محيط المسجد، لأن المسجد هو الذي ينشئ بالنسبة لضميره الوسط الأولي الذي تكون فيه، فهو يجد (شخصه).
ولكنه على عتبة المسجد يفقد صلته بهذا الوسط الأولي، ويجد نفسه في نطاق الظروق الاجتماعية التي تمحو (شخصه) وتبعث فيه (الفرد) الخام.

الصفحة 104