كتاب ميلاد مجتمع
هذا التقليد المعادي للمجتمع يسبب عجزاً اجتاعياً هائلاً كل عام، دون أن يحاول المسؤولون التخلص منه.
فأنت تبدي دهشتك مثلاً لأحد الرؤساء الإداريين، لأن إجراء ذا طابع ثقافي- قد يهمك شخصياً- لم ينفذ منذ خمسة أشهر، فيرفع الرجل عينيه ويديه إلى السماء ويقول لك:
- سيدي .. هذا هو الروتين.
ثم يخفض ذراعيه ليدعك مشلولاً في عملك الشخصي، مادام الأجر الذي تطلبه متصلاً بعمله، قليلاً أو كثيراً. ولكنك لا تستطيع أن تقول له وخاصة إذا كان رجلاً أميناً ذا همة:
- لا يا سيدي .. ليس السبب هو الروتين ولكنه التخزين، تخزين العلاقات الاجتماعية في حوزة موظف، سواء أكان عاجزاً وضع قصداً هناك لتجميد الحركة بضعفه وخموده، أم كان متآمراً يقوم عن عمد بدور السدادة ليوقف الحركة.
والحق أننا لا ندعي أن جميع التقاليد المعادية للمجتمع من عمل الاستعمار، على الرغم من أن أغلبها من صنعه، ولكننا نقول إن جميع التقاليد تخدم عمله الهدام، وتولد في نشاطنا عجزاً اجتماعياً سنوياً هائلاً.
ومهما يكن أمر الوسائل المستخدمة، فإن الهدف المقصود دائماً، تحطيم العلاقات الاجتماعية، ونشر العفونة في الطاقة الحيوية، بقدر ما يبلغه جهد الا ستعمار.
والاستعمار فنان في هذا الميدان، فهو يعرف كيف يطلق الغرائز غير الاجتماعية لدى القوارض من كل نوع، يستخدمها جميعاً في هدم شبكة العلاقات الاجتماعية، التي تتيح لمجتعنا أن يؤدي نشاطه المشترك في التاريخ.
***
الصفحة 91
111