كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة

ولكن أليس في موقف كهذا إفراط في البراءة؟
إن من له أدنى حظ من الخبرة بالموضوع، يرى نفسه مضطراً إلى تأويل عرض الصحافي الباريسي تأويلاً آخر: وإذا بما كان يُستهان به بمجرد النظرة الأولى إلى هذا العرض الغريب، يأخذ مظهراً جديداً لا مجال فيه للبراءة.
فالنظرة الفاحصة إلى عرض غريب كهذا، تكشف من أول لحضة (في لونه الخاص، وفي ضوء الملابسات السياسية التي تمر بها البلاد الإفريقية الآسيوية) أنه يتصل بالصراع الفكري الذي نشأ على أثر مؤتمر باندونج، فإذا قدرنا أن المراصد المختصة بهذا الصراع قد تهتم بظهور أي كتاب يتصل بموضوع باندونج، فبالأحرى أن نقدر اهتمامها الخاص بكتاب فيه محاولة استنباط مضمون فكري من هذا المؤتمر، يحتمل أن يكون نظرية للفكرة التي سوّغتها مناقشاته وقاعدة أيديولوجية، يقوم عليها كفاح الشعوب التي تعارفت فيه؛ ومن المعقول جداً أن نرى صلة بين هذا الكتاب وعرض الصحافي الباريسي، لأنهما يلتقيان في نقطة اهتمام الاستعمار بكل ما ينشأ- في النطاق السياسي والفكري- عن مؤتمر باندونج، مع كل ما يتخذه من احتياطات بهذا الصدد: فاهتمام الاستعمار بشيء يتلاقى حتماً في نقطة معينة مع احتياطه منه.
وإذن فليس من ترف الحديث أن نقول: إن كتاباً من طبيعته أن يثير اهتمام الاستعمار لابد أن يتلاقى مع احتياطاته منه.
وإذا صح لنا أن نقرر هذا بمقتضى الظروف التي تحيط بالواقعة والشروط التي يجري عليها الصراع الفكري، فإننا لا نغلو في نظرنا إلى الأشياء، عندما نقدر أن عرض الصحافي الباريسي هو بالضبط نقطة الالتقاء، التي تمثل اهتمام الاستعمار بكتاب نوهت به مراصده والاحتياطات التي يجب أن يتخذها ضده.

الصفحة 115