كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
وما هذه الاحتياطات؟ وكيف يمكن أن نرى أثرها في عرض الصحافي الباريسي؟
يجب أولاً أن نقدر، مع ضرورة ذكرنا مسوّغات هذا التقدير كي لا نتورط في إطالة لا حاجة لها هنا ... يجب أن نقدر أن الاستعمار كان على علم بالطريق الذي سيسلكه صاحب الكتاب، عند وصوله إلى العاصمة العربية التي أشرنا إليها، وهذا استنتاج جد بسيط بالنسبة للاستعمار، لأنه قدر تقريباً جميع الظروف التي تحيط بالمؤلف.
وإذن فليس من الغلو في شيء أن نرى في وصول الصحافي الباريسي إلى العاصمة نفسها وفي زيارته للمصلحة نفسها ليقدم لها عرضه الغريب، قبل بضعة أيام من وصول وزيارة صاحب الكتاب، نرى شيئاً قدرته ضرورة الصراع الفكري بالنسبة لهذا الكتاب.
وهذا أمر سهل تصوره: فإذا أخذنا في اعتبارنا على ضوء ما سلف توضيحه في زيارة الصحافي الباريسي، وما يمكن أن تثير من نقط استفهام، بسبب الصورة التي قدم فيها عرضه الغريب، كأنما كان يهدف إلى إحاطته بالشبهات، ويستحث حوله الشكوك، تبين لنا أن هذه الأشياء كلها بما فيها من شذوذ تكوّن في الواقع مرآة حرمان من نوع خاص، لأن هذا الشذوذ هو نفسه مصدر الكف والحرمان.
وحتى ندرك ذلك يجب أن نجمع هذه العناصر كلها، كما تتجمع فعلاً الآثار التي خلفتها زيارة الصحافي الباريسي، وستخلفها زيارة الكاتب بعده، إلى المصلحة نفسها، يجب جمعها في عملية ذهنية واحدة وفي سياق نفسي واحد.
إن مدير المصلحة الذي زاره صحافي يعرض عليه ((مساهمة فيلسوف فرنسي في إبراز فكرة باندونج))، ثم يزوره صاحب كتاب يتصل بالضبط بهذا
الصفحة 116
128