كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة

الموضوع، لا يمكنه عادة، أن يفصل، في عقله وفي نفسه هاتين الزيارتين.
وهكذا تصبح تلقائياً، زيارة الصحافي مقدمة لزيارة المؤلف، ولكنها تشع دوافع الحرمان على ما تقدمه، وإذن فلا مبالغة في القول إنها مقدمة مقصودة بجميع تفصيلاتها المشبوهة، أي بجميع تفاصيلها المشعة للكف والحرمان لسد الطريق في وجه كتاب أفلت- في ظروف معينة لا يتسع المجال إلى شرحها- من رقابة الاستعمار المباشرة، إفلاتاً لم يبق معه في استطاعة الاستعمار إلا أن يلجأ إلى الوسائل العلمية لسد الطريق في وجهه.
وليس من الصعب أن نتصور الأثر العقلي- النفسي الذي خففه بهذا الصدد، الصحفي الباريسي أثناء زيارته بالعاصمة العربية، ونيودلهي، وبجاكرتا ... أي على طول الخط الذي من شأن كل كتاب يتصل بباندونج أن يتبعه في حالة انتشاره الطبيعي.
إن المتحدثين معه خلال هذه الزيارات، ما كانوا لينخدعوا بعرضه الغريب، وهم يعلمون أن الفلسفة ليست بضاعة يعرضها في الأسواق صحافي يقوم بدور السمسار، ويعلمون أنه لا يوجد فيلسوف، فرنسياً كان أو غيره، يعرض نفسه بهذه الطريقة المحتقرة.
والصحفي نفسه، يعلم هذا: فحينما يقوم بدور السمسار فليس ذلك في الواقع عرض أفكاره، ولكن لتشويه أفكار معينة، وهذا من صميم الصراع الفكري، ومن نبعه ومن منطقه ومن أسلوبه.
إن السمسار الذي يأتي بعرض غريب كالذي أتى به الصحفي الباريسي، لا يمكنه أن يخدع محدثيه، هذا إذا قسنا بمقياس العقل، وأما إذا قسنا بمقياس النفس فربما قلنا إنه خدعهم فعلاً بما خلف في نفوسهم من دوافع لا شعورية تؤدي

الصفحة 117