كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
ثم بكل هدوء وبرود فإنها ستعرض عليه وظيفة أخرى يتقاضى منها، إذا ما قبل، ماهية تزيد على ما يتقاضاه موظف مبتدئ بوزارة خارجية، فتعرض عليه مثلاً مائة وخمسين جنيها في مقابل عمل بسيط، إن لم نقل مقابل عمل صوري، في سفارة تمثل مصالح معينة، لا تتفق مع فكرة باندونج ولا فكرة التضامن الإفريقي- الآسيوي، ولا فكرة بناء حضارة كحل لمشكلة البلاد المتخلفة، ولا أية فكرة من الأفكار التي دخل هذا الشاب من أجلها المعركة.
وإذن وفي حالة قبول هذا الشاب النبيل العرض السخي الذي قدم له، نكون أمام احتمالين:
أولهما هو أن هذا الشاب سيشعر بضيق الموقف: فيعدل سلوكه طبقاً لذلك، ويكف قلمه ولسانه عن أفكار تحرم صاحبها من منصب يستحقه بوزارة الخارجية.
وثانيهما، هو أنه يستمر أو على وجه أدق، ربما تحمله السفارة التي توظفه على أن يستمر في دفاعه عن تلك الأفكار.
ففي الاحتمال الأول تكون السفارة قد حلت المشكلة بوجه من الوجوه.
أما في الاحتمال الثاني فإنها تكون صنعت من شاب مثقف نبيل (محامياً مورّطاً) للأفكار التي دخل من أجلها المعركة.
وهذا الاحتمال الأخير أقرب من أسلوب الصراع الفكري ومن واقعية الاستعمار فيه ومن حقيقته المؤلمة، التي لا ندركها ما دمنا نفقد المقاييس المطلقة التي تدل على قيمة الأفكار مباشرة، في حد ذاتها دون ربطها بأي شخص يدافع عنها دفاع المؤمن بها (مثل الشاب الذي ذكرنا قصته) أو يدافع عنها دفاع (المحامي المورِّط).
ومهما يكن الأمر فلا غرابة إذن في أن يجد كتاب، يتعلق بموضوع هام مثل
الصفحة 121
128