كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
الفصل السادس
حياة الأفكار وقيمتها الرياضية
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يظهر أحياناً في سلوك الاستعمار من البلادة، ما يجعلنا نشعر بأن كيده، هو في النهاية ضعيف مثل كيد الشيطان.
ولكن يجب ألا نغتر بهذا المظهر مهما يكن فيه من الصحة، كما يجب علينا أن نقدر لكيد الشيطان في كل وقت تقديره.
يجب أن نعترف في كل لحظة، بأن الاستعمار فنان بارع في موسيقا الصراع الفكري، فهو يبدع في سمفونية هذا الصراع، إذ هو ينسجها من الخيال أو من لعبة الظل كما بينا في الفصول السابقة، ثم يبلغ إيقاعها الساحر عن طريق الإيحاء، لأنه يجيد التوقيع على (النقاط) التي تسحر الألباب، فتعطي لفنه كل قيمته الفنية.
فهو يعلم أنه يكفي للتشكيك في فكرة، أن يشوه منطوقها اللغوي، أي الكلمة التي تتضمن معناها الحرفي، أو الشعار الذي يؤدي معناها بالطريق الرمزي: فالكلمة أو الشعار قد يمكن أن يصبح كلاهما مركز إشعاع حرماني، بالنسبة للفكرة التي تعبر عنها تلك أو يشير إليها هذا، كما يكون أحياناً الكاتب نفسه، مركز إشعاع حرماني بالنسبة إلى كتابه، في بعض الظروف كما بينا هذا في الفصول السابقة.
فلو كان لفكرة كتاب شعار معبر عنها بصفة رمزية، لرأينا الاستعمار حينما
الصفحة 124
128