كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة

تنوه مراصده بظهور الفكرة، يبادر إلى طمس تلك الرمزية بما يناسب من الوسائل.
فلو كان لدينا للتدليل على محاولة كهذا عبارة مثل (محور طنجة- جاكرتا)، تعبر عن فكرة كتاب وتشير إلى الاتجاه الذي ينشده، لرأينا فعلاً الاستعمار يقوم بمحاولة ضم هذا المصطلح إلى قاموسه السياسي، فيحاول مثلاً جمع مؤتمر سياسي بمدينة طنجة، هدفه على نقيض ما يهدف إليه الكتاب، وبما يسلط من الأضواء على مدينة طنجة، خلال مؤتمر تشرف عليه دول استعمارية، تصبح كلمة طنجة مركز إشعاع حرماني، تعكسه على ما يتصل بها في الميدان السياسي: تصبح العبارة (محور طنجة- جاكرتا) كلها تتلقى من ناحية الإيحاءات التي تلقيها عليها كلمة طنجة، وتعكسها من ناحية أخرى على كتاب جعل شعاره من تلك العبارة.
ولكن لماذا لم تتم محاولة الاستعمار في هذا الاتجاه، بعد أن أعلنت الصحافة بانعقاد مؤتمر طنجة في شهر نيسان (إبريل) سنة 1957؟
ذلك لأن الظروف ليست كلها في يد الاستعمار، فقد يحدث أن تختل بعض الشروط في تنفيذ خططه، وهذا لا يعني طبعاً أن المعركة انتهت وإنما تغيرت ظروفها.
ولكن الشيء الذي لا يتغير هو المقاييس المنطقية والحقائق النفسية، التي تطبق في معركة مهما تكن ظروفها الخاصة.
ومن الأشياء التي لا تتغير في الصراع الفكري، حقيقة (الفكرة) ذاتها بوصفها كائناً حيوياً له وحدة عضوية لا يمكن أن نزيد فيها شيئاً ولا ننقصه، دون أن تتغير شروط الحياة بالنسبة إليها، كما أننا نغير شروط حياة أي حيوان، لو أننا أضفنا له عضواً زائداً، مثل الرأس الذي أضافه بعض علماء الاتحاد السوفييتي إلى كلب، أو أنقصنا منه عضواً.

الصفحة 125