كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

ولا وجه لقوله: "وإذا التبس الطاهر بغيره صلى فيهما"
بل يكون اللبس مع عدم وجود غيرهما مسوغا للصلاة بأحدهما للضرورة وأما الصلاة فيهما فذلك يستلزم مفسدة عظيمة ورد النهي عنها وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلي صلاة في يوم مرتين" [أحمد "2/19 و 41"، النسائي "2/114"، أبو دأود "579"] ، وقوله: "لا ظهران في يوم" والحديثان صحيحان.
وأما التباس الماء الطاهر بالمتنجس فيعدل إلي التيمم لأن عدم تميز الطاهر كعدمه فهو غير واجد لماء يرفع به الحدث.
قوله: "وفي المشبع صفرة وحمرة".
أقول: هذا المقام من المعارك والحق أنه يتوجه النهي عن المعصفر إلي نوع خاص من الأحمر وهو المصبوغ بالعصفر لأن العصفر يصبغ صباغا أحمر فما كان من الأحمر مصبوغا بالعصفر فالنهي متوجه إليه وما كان من الأحيمر غير مصبوغ بالعصفر فليس جائزا وعليه يحمل ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من أنه لبس الحلة الحمراء وقد أطلنا الكلام في شرحنا للمنتفى على هذا البحث وذكرنا الأحاديث المختلفة والكلام عليها والجمع بينها فليرجع إليه.
وأما المشبع صفرة فلا يستدل على المنع عن لبسه بما صح عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن لبس المعصفر لما قدمنا لك من أن المصبوغ بالعصفر يكون أحمر لا أصفر وهذا معلوم لا شك فيه ولم يرد ما يدل على تحريم الأصفر دلالة يجب المصير إليها ولا سيما وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صبغ بالصفرة ووقع التصريح في بعض الروايات بأنه صبغ بها لحيته وثيابه وكان ابن عمر يفعل ذلك اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
قوله: "وفي السرأويل والفرو وحده"
أقول: أما السرأويل فقد أخرج أحمد والطبراني بسند رجاله ثقات من حديث أبي أمامة قال: قلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتسرولون ولا يتزرون فقال رسول الله: "تسرولوا واتزروا وخالفوا أهل الكتاب" [أحمد (5/264) ] وفي هذا الأذن بلبس السرأويل وهو يستر العورة سترا فوق ستر المئزر وقد وقع الخلاف هل لبسه النبي صلى الله عليه وسلم أم لا مع ثبوت أنه اشتراه وقد ذكرت ما ورد في ذلك في شرحي للمنتقى وقد استدلوا على الكراهة في الصلاة فيه وحده بما رواه أبو دأود عن بريدة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي في لحاف يتوشح به وأن يصلي في سرأويل ليس عليه رداء" [أبو دأود "636"، وفي إسناده أبو نميلة يحيى بن واضح الأنصاري المروزي وأبو المسيب عبيد الله بن عبد الله العتكي المروزي وفيهما مقال خفيف جدا وقد وثقا وأخرجه أيضا الحاكم ورمز السيوطي لصحته فكان هذا الحديث صالحا للاحتجاج به على الكراهة في السرأويل وحده.
وأما الكراهة في الفرو وحده فاستدلوا على ذلك بأنه مظنة لانكشاف العورة ولكن هذه المظنة ترتفع بأن يربطه بخيط أو يزره بشوكة ولعلهم لا يخالفون في زوال الكراهة بهذا.

الصفحة 102