كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

وأعجب من هذا أنهم جعلوا الوتر ثلاث ركعات لا يزاد عليها ولا ينقص منها ولا وتر عندهم إلا ذلك لأنهم لم يعرفوا ان الوتر إنما هو إيتار صلاة الليل وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في غالب حالاته يوتر بركعة والمراد اشتمال آخر صلاة الليل على وتر أما بركعة منفردة أو ثلاث أو خمس أو سبع ولكنه قد ورد النهي عن الإيتار بثلاث كما أوضحته في شرح المنتقي.
وأما اعتقاد أن الله شرع صلاة ثلاث ركعات متصلة بعد صلاة العشاء من دون أن يتقدمها صلاة فليس هذا إلا من الجهل البالغ بما جاءت به السنة وأقل ما يفعله من كان عاجزا غير راغب في الأجر أن يصلي ركعتين ويسلم فيهما ثو يوتر بركعة منفردة فإن هذا يصدق عليه أنه لم يصل من النافلة في الليل إلا ركعتين ثم أوترها بركعة وقد كانت صلاته في الليل صلى الله عليه وسلم تبلغ إلي ثلاث عشرة ركعة بوترها وقد يقتصر على اقل منها.
قوله: "وكل وقت يصلح للفرض قضاء".
أقول: استدلوا على ذلك بحديث أنس عند الشيخين [البخاري "597"، مسلم "684"] ، وغيرهما [أوب دأود "442"، أحمد "3/269" و "3/100"، ابن ماجة "696"، الترمذي "178"، النسائي "1/293، 294"] ، مرفوعا: "من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وفي رواية لغيرهما "فوقتها حين يذكرها" وقد عورض ذلك بالنهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات وهو ثابت في أحاديث الصحيحين وغيرهما [مسلم "293/831"، أحمد "4/152"، أبو دأود\ "3192"، الترمذي "1030"، النسائي "1/375"، ابن ماجة "1519"] ، وقد قيل إن حديث "من نام عن صلاته" مطلق مقيد بأحاديث النهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات وهو ممنوع فإنا إذا سلمنا شمول أحاديث النهي للفرائض المقضية كان بين هذه الأحاديث عموم وخصوص من وجه فأحاديث النهي هي أعم من أن تكون الصلاة نافلة أو فريضة مقضية أو مؤداة.
وحديث: "من نام عن صلاته" هو أعم من أن يكون قيام النائم وذكر الناسي في هذه الثلاثة الأوقات أو غيرها إلا أنه لا يخفاك أن الصلاة التي تركت لنوم أو نسيان هي مفعولة في وقت القيام من النوم أو الذكر بعد النسيان في الوقت الذي لا وقت لها سواه فهي أداء لا قضاء فيتوجه النهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات إلي النوافل لا إلي الفرائض المؤداة وقد ثبت أن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك فمن أدرك من العصر ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدركه ركعة من الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الفجر وهذه الأحاديث المصرحة بأن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها أخص مطلقا من أحاديث النهي عن الثلاثة الأوقات وصلاة النائم والساهي لأن ذلك الوقت وقت الأداء لها فهي كسائر الفرائض المؤداة ومن زعم أنها مقضية لا مؤداة فالدليل عليه فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن وقتها حين يذكرها لا وقت لها سواه.
قوله: "وتكره الجنازة والنفل في الثلاثة"
أقول: الأحاديث الصحيحة قد وردت مصرحة بالنهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات وعن

الصفحة 115