كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن أمن وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر" انتهى
وأقول: متمما لهذا الكلام وعند أن ينتهي إلي العالم من الصحابة يقال له هذا الصحأبي أخذ علمه عن أعلم البشر المرسل من الله إلي عباده المعصوم عن الخطأ في أقواله وأفعاله فتقليده أولى من تقليد الصحأبي الذي لم يصل إليه إلا شعبة من شعب علومه وليس له من العصمة شيء ولم يجعل الله سبحانه قوله ولا فعله ولا اجتهاده حجة على أحد من الناس.
واعلم أن رأي المجتهد عند عدم الدليل إنما هو رخصة له بلا خلاف في هذا ولا يجوز لغيره العمل به بحال من الأحوال فمن ادعى جواز ذلك فليأتنا بالدليل وهو لا محالة يعجز عنه وعند عجزه عن البرهان يبطل التقليد لأنه كما عرفت العمل برأي الغير من غير حجة.
الوجه الخامس: قال الجلال في شرحه "إن تجويز التقليد لغير المجتهد لا له تحكم لأن العامي كالمجتهد".
ولا أدري ما أصل هذه الدعوى ولا ما هو الموجب للوقوع فيها فإن هذه التسوية بين من بلغ في العلم إلي أعلى مكان وبين من هو بجهله في أسفل سافلين كالتسوية بين النور والظلمة وبين الجماد والحيوان ولعله أراد إلزام من يجرى على لسانه ذلك من مقصري المقلدة.
وأورد الجلال أيضا على قوله في الأزهار ولا في عملي يترتب على علمي بحثين.
الأول قد أجاب عنه والثاني أن الفقه كله عملي يترتب على علمي وهو أصول الفقه.
وأجاب عنه الأمير في حاشيته بأن المراد بالعلمي المذكور هو العلم بالمعنى الأخص وليس كل مسائل أصول الفقه كذلك بل المترتب منها على العلم بالمعنى الأعم أكثر وأنه شامل للظن هكذا قال.
وأقول: إن الفقه مترتب على علمي بالمعنى الأخص وهو إثبات النبوة بالدليل العقلي والنقلي وكل واحد منهما علمى بلا خلاف فالمقلد في جميع ما قلد فيه قد قلد إمامة في عملي مترتب على علمي وهذا يبطل التقليد من أصله ويجتثه من عرقه.
ثم أن الأمير رحمه الله في حاشيته ها هنا رجح التفصيل في جواز التقليد لمن كان بليد الفهم جامد الفكرة بعيد النظر دون من كان فيه أهلية للنظر وإدراك للمباحث ولا يخفاك أن هذا التفصيل عليل ودليله كليل فإن ذلك البليد إن بقي له من الفهم ما يفهم ما به من كلام من أراد تقليده فهذه البقية الثابتة له يقوى بها على فهم كلام من يروى له الدليل ويوضح له معناه فليس به إلي التقليد حاجة وليس فهم رأي عالم من العلماء بأظهر من فهم معنى ما جاد به الشرع فما الملجىء له إلي رأي الغير البحث وهو يجد من يروى له ما هو الشرع الذي شرعه الله لعباده؟.
وإن قدرنا أنه قد بلغ من البلادة إلي حد لا يفهم معه رأى من يقلده فقد انسد عليه الباب من الجهتين وهو بالمجانين أشبه منه بالعقلاء وليس عليه إلا العمل بما بلغ إليه فهمه ولا يكلفه الله فوق طاقته.

الصفحة 15