كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

قوله: "والميتة"
أقول: استدلوا على ذلك بقوله تعالي: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة:3] ويجاب عنه بأن التحريم لا يستلزم النجاسة كما تقدم واستدلوا أيضا بقوله: {قُلْ لا أجد فِي مَا أوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أو دَماً مَسْفُوحاً أو لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 45] وقد قدمنا أن سياق الآية والمقصود منها هو تحريم الأكل وأن الرجس هنا ليس المراد به النجس بل الخبيث الذي لا يحل أكله واستدلوا أيضا بحديث عبد الله بن عكيم عند أحمد وأهل السنن والبخاري في التاريخ والدارقطني والبيهقي وابن حبان مرفوعا: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" [أحمد "4/310، 311"، أبو دأود "4127‘ 4128"، الترمذي "1729"، النسائي "7/174"، ابن ماجة "3623"] ، وهو حديث حسن ولم يعل بما يوجب سقوط الاحتجاج به وله شاهد من حديث جابر قال الشيخ الموفق إسناده حسن وشاهد آخر من حديث ابن عمر وفي إسناده عدي بن الفضل وهو ضعيف.
والمنع من الانتفاع بشيء من إهاب الميتة وعصبها يدل على نجاستها ولا ينافي ذلك تخصيص أحاديث طهارة الإهاب بالدبغ فإنه يبني العام على الخاص وهي أحاديث صحيحة وهي تقوي نجاسة مطلق الميتة لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما إهاب دبغ فقد طهر" أبو دأود "2143"، الترمذي "1728"، النسائي "7/173"، ابن ماجة "3609"] ، يفيد أنه كان نجسا.
وأما المناقشة من الجلال وغيره بأن نجس العين لا يطهر بالغسل ولا بالدباغ وإنما يطهر بذلك المتنجس والمدعي أن الميتة نجس عين لا متنجسة فهي مناقشة فروعية لم تستند إلا إلي ما قد تقرر في أذهاب بعض المتفقهة من ذلك.
وأي مانع من ذهاب النجاسة العينية بالغسل والدبغ وقد قال صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة: "هلا انتفعتم بإهابها" فقالوا: يا رسول الله إنها ميتة فقال: "أليس في القرظ ما يطهرها" أو قال: "يطهرها الماء والقرظ" [أبو دأود "4126"، النسائي "7/174 – 175"، أحمد "6/334"] ، الحديث.
ومما يؤيد نجاسة الميتة قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا" [البخاري "3/125"] ، هو حديث صحيح فإنه يفيد أن ميتة غير المسلم تنجس.
قوله: "إلا السمك وما لا دم له".
أقول: أما السمك فلحديث "هو الطهور ماؤه والحل ميتته" [أبو دأود "83"، أحمد "2/237، 361"، الترمذي "69"، النسائي "1/50"، ابن ماجة 386، 3246"] ، وهو حديث صالح للاحتجاج به وله طرق كثيرة قد صحح الحفاظ بعضها وقد استوفينا الكلام عليه في شرحنا للمنتقي.
ولو كانت ميتة السمك نجسة لكانت حرأما لا حلالا.
ومثل هذا الحديث حديث: "أحل لكم ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال" وله طرق في أسانيدها مقال وقد روى موقوفا على ابن عمر بإسناد صحيح.
وبالجملة فلا خلاف في أن ميتة السمك حلال طاهرة.

الصفحة 28