كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

أقول: قد قدمنا لك أن الماء طاهر مطهر لا ينجسه إلا ما غير بعض أوصافه من غير فرق بين قليل وكثير.
فهذه المياه القليلة لا تنجس بمجرد وقوع النجاسة فيها إلا أن يتغير بعض أوصافها على ما هو المذهب الحق والقول الراجح فإن تغيرت حال قلتها صارت متنجسة فإن زال ذلك التغير عند اجتماعها صارت طاهرة بزوال التغير وسواء كانت حال اجتماعها مستبحرة أم لا فليس المقصود الذي هو مناط الطهارة إلا زوال التغير فاحفظ هذا فإن أردت مزيد التحقيق فارجع إلي ما حررناه في سائر مصنفاتنا فإنك تقف فيها على ما لا تحتاج إلي غيره.
وأما تحديد المكاثرة لورود أربعة اضعافها عليها أو ورودها عليها فليس ذلك إلا مجرد رأي بحت ليس عليه إثارة من علم.
قوله: "ويجريها حال المجأورة"
أقول: لم يثبت ما يدل على أن جري الماء يوجب طهارته بل إن كان مع جريه قد تغير بعض أوصافه فهو متنجس لبقاء ما هو سبب النجاسة كما تقدم.
وأما النهي عن البول في الماء الدائم فليس تخصيص الدائم إلا لكون تأثير ما وقع فيه من النجاسات أكثر من تأثيرها فيما ليس بدائم.
وهذا الكلام في الراكد أسفله الفائض أعلاه الاعتبار بزوال التغير ولا اعتبار بفيض أعلاه كما أنه لا اعتبار بمجرد الجري مع بقاء التغير.
[باب المياه
فصل إنما ينجس منها مجأور النجاسة وما غيرته مطلقا أو وقعت فيه قليلا وهو ما ظن استعمالها باستعماله أو التبس أو متغيرا بطاهر وإن كثر حتى يصلح وما عدا هذه فطاهر] .
قوله: باب المياه فصل "إنما ينجس منها مجأور النجاسة"
أقول: هذا رأي بحت ليس عليه أثارة من علم وما ورد في حديث الفأرة إذا وقعت في السمن فإنها تلقى وما حولها إذا كان جامدا فليس ذلك لأجل النجاسة بل لأجل الاستخباث وعدم جواز الأكل.
ثم هذا الحكم فيما كان جامد إلا فيما كان مائعا وقد عرفناك غير مرة أنه لا ينجس من المياه إلا ما غيرته النجاسة بنص "خلق الماء طهورا إلا أن يتغير ريحه أو لونه أو طعمه".

الصفحة 36