كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه توضأ حتى أشرع في العضد وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج الدارقطني والبيهقي من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرفقيه ثم قال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به".
وفي إسناده القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل وفيه كلام معروف.
وفي رواية للدارقطني من حديث عثمان أنه غسل وجهه ويديه حتى مس أطراف العضوين وأخرج البزار من حديث وائل بن حجر قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل وجهه ثم يديه فغسل حتى جأوز المرفق.
قوله: "وما حإذاهما من يد زائدة"
أقول: لا وجه لاعتبار المحإذاة وليس مجرد المحإذاة للمرفقين مما يوجب أن يكون للمحإذاة من ذلك العضو الزائد حكم الأصل ولا يجب غير غسل اليد الأصلية إلا إذا كان العضو الزائد نابتا في المحل الذي يجب غسله فإنه داخل في مسمى اليد وأما النابت في غير ذلك المحل فليس بداخل في مسمى اليد التي ورد الشرع بغسلها.
وأما ما ذكره من وجوب غسل ما بقي من العضو الذي يجب غسله بعد قطع بعضه فلا شك في ذلك لأن الوجوب الذي كان قبل القطع لا يرتفع بالقطع وإن كان الباقي يسيرا مهما كان مما يجب غسله.
قوله: "ثم مسح كل الرأس"
أقول: وجه إيجاب مسح الكل أن مسمى الرأس حقيقة هو جميعه ولكن محل الحجة ها هنا هو ما يفيده إيقاع المسح على الرأس وهو يوجب المعنى الحقيقي جزءا من أجزائه كما تقول ضربت رأسه وضربت برأسه فإنه يوجد المعنى بهذا التركيب بلإيقاع الضرب على جزء من أجزاء الرأس.
ومن قال إنه لا يكون ضاربا لرأسه حقيقة إلا إذا وقع الضرب على كل جزء من أجزائه فقد جاء بما لا يفهمه أهل اللغة ولا يعرفونه ومثل هذا إذا قال القائل مسحت الحائط ومسحت بالحائط فإن المعنى للمسح يوجد بمسح جزء من أجزاء الحائط ولا ينكر هذا إلا مكابر وبهذا تعرف معنى قوله تعالي: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] ، ودع عنك ما أطال الناس القول فيه من الكلام في معاني الباء وفي معنى الرأس حقيقة ومجازا فإن ذلك تطويل بلا طائل.
وإذا عرفت الآية الكريمة فاعلم أن السنة المطهرة تعضد ذلك وتقويه فإنه صلى الله عليه وسلم
مسح جميع رأسه واقتصر في بعض الأحوال على مسح بعضه مكملا على العمامة تارة وغير مكمل عليها أخرى فكان ذلك مطابقا لما افاده القرآن ولا شك أن الأحسن والأحوط مسح كل الرأس على الهيئة التي كان يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم حسب ما ذكر ذلك أئمة الحديث في كتبهم التي هي دوأوين الإسلام ولكن لم يقم دليل على أن ذلك واجب متعين.
وكيف يقال ذلك وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالفه ودلت الآية على ما هو أوسع منه.

الصفحة 54