كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

قوله: "والأذنين".
أقول: قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسحهما مع مسح رأسه وثبت أنه مسح ظاهرهما وباطنهما كما أخرجه النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث ابن عباس وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن منده.
وأخرج أبو دأود والبزار من حديث تعليم علي بن أبي طالب وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح ظهور أذنيه وإسناده حسن.
ومن ذلك حديث: "الأذنان من الرأس" [أبو دأود "134"، الترمذي "37"، ابن ماجة "444"، أحمد "5/268"] ، وهو مروي من طريق ثمانية من الصحابة وفي بعض أسانيدها مقال وهي يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها.
والحاصل أن مسح ظاهرهما وباطنهما هو الهيئة الكاملة كما ذكرنا في مسح كل الرأس.
وأما أن ذلك واجب متعين فلا بل يجزىء ما يصدق عليه مسمى المسح كما قلنا في الرأس.
قوله: "ثم غسل القدمين مع الكعبين"
أقول: قد أطال أهل العلم الكلام على القراءتين في قوله سبحانه: {وَأَرْجُلَكُمْ} ولا شك أن ظاهرهما أنه يجزئ الغسل وحده والمسح وحده وهما قراءتان صحيحتان لكنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح للرجلين قط بل الثابت عنه في جميع الروايات أنه كان يغسل رجليه وثبت عنه ما يدل على أن الغسل لهما متعين كما في حديث أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قال بعد فراغه من الوضوء: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" [ابن ماجة "419"، وكان ذلك الوضوء مع غسل الرجلين وقال للأعرأبي: "توضأ كما أمرك الله" [ابن ماجة 665] ، ثم ذكر له صفة الوضوء وفيه غسل الرجلين وثبت عنه في الصحيحين وغيرهما أنه قال: "ويل للأعقاب من النار" [أحمد "6/81 و 84"، ابن ماجة "451"، مسلم "240] ، قال ذلك لما رأى جماعة وأعقابهم تلوح.
ولهذا وقع الإجماع على الغسل قال النووي ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به.
وقال ابن حجر في الفتح إنه لم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا علي وابن عباس وأنس وقد ثبت الرجوع منهم عن ذلك.
وبالجملة فاستمراره صلى الله عليه وسلم على الغسل وعدم فعله للمسح أصلا إلا في المسح على الخفين وصدور الوعيد منه على من لم يغسل وتعليمه لمن علمه أنه يغسل رجليه وقوله: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" يدل على أن قراءة الجر منسوخة أو محمولة على وجه من وجوه الإعراب كالجر على الجواز أو محمولة على المسح على الخفين الثابت ثبوتا أوضح من شمس النهار حتى قيل إنه روي من طريق أربعين من الصحابة وقيل من طريق سبعين منهم وقيل من طريق ثمانين منهم.
والكلام في غسل الكعبين هنا كالكلام في غسل المرفقين وقد تقدم فلا نعيده.

الصفحة 55