كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

قوله: "والترتيب"
أقول: هذه هيئة واجبة ولا يحسن جعلها من جملة فرائض الوضوء وكذلك قوله فيما بعد "وتخليل الأصابع والأظفار والشجج"، فإن جعل ذلك من جملة الفرائض فيه نوع تسأهل وقد ثبت عن الشارع فعلا وتعليما أنه غسل أعضاء الوضوء مقدما لما قدمه القرآن ومؤخرا لما أخره كذلك ثبت عن الحاكين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم والمعلمين لهم فهذا هو الوضوء الذي شرعه الله لعباده في كتاب.
ومن زعم أنه يجزئ وضوء غير مرتب على ذلك الترتيب فقد خالف الجادة البيضاء والطريقة الواضحة التي لا يزيغ عنها إلا زائغ.
وأما كون الوأو لا تفيد الترتيب فهذا لو لم يرد البيان النبوي وأما بعد وروده دائما مستمرا فلا.
ثم قوله صلى الله عليه وسلم بعد أن توضأ وضوءا مرتبا: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" وقوله للأعرأبي: "توضأ كما أمرك الله" ثم علمه الوضوء مرتبا على ما في القرآن يدلان دلالة بينة واضحة أن ذلك واجب متعين لا يجوز المخالفة له بحال ولم يصب من قال إن الإشارة بقوله: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به" إلي نفس الفعل لا إلى هيئته فإن ذلك دعوى بلا دليل بل الإشارة أي إشارة كانت إلي فعل أي فعل كان إلي الفعل الذي له تلك الهيئة لا إلي الفعل مجردا عنها فإن ذلك مما لا يدل عليه عقل ولا نقل.
[فصل
"وسننه غسل اليدين أولا والجمع بين المضمضة والاستنشاق بغرفة وتقديمهما على الوجه والتثليث ومسح الرقبة وندب السواك قبله عرضا والترتيب بين الفرجين والولاء والدعاء وتوليه بنفسه وتجديده بعد كل مباح وإمرار الماء على ما حلق أو قشر من أعضاء] ".
قوله: فصل: "وسننه غسل اليدين أولا".
أقول: قد ثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم وحكاه من حكاه من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليمهم لوضوئه ومن ذلك ما هو في الصحيحين ومنه ما هو في غيرهما ولا شك في مشروعيته وأما قول من قال بالوجوب فلا وجه له لأن غسل اليدين قبل الوضوء لم يكن مما في القرآن الكريم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرأبي "توضأ كما أمرك الله" يعني في القرآن.
أما حديث: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده" فهو خاص بمن قام من النوم فعلى تقدير دلالته على الوجوب لا يدل

الصفحة 56