كتاب السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار

والذي ثبت في الوضوء من الأذكار هو التسمية في أوله وفي آخره "أشهد أن ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" [مسلم "17/234"، الترمذي 55"، أحمد "4/145" – 146 – 153"، أبو دأود "169"، النسائي "148"، ابن ماجة "470"] ، ولم يثبت غير هذا لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف خفيف الضعف.
قوله: "وتوليه بنفسه"
أقول: الأمر القرآني لكل قائم إلي الصلاة أن يغسل أعضاء وضوئه يدل على أنه يجب على المتوضىء أن يغسل أعضاء وضوئه بنفسه والبيان الواقع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وضوئه وفي تعليمه لغيره يؤيد ذلك ويقويه فمن زعم أنه يجزىء العبد وضوء وضاه غيره فعليه الدليل ولا دليل يدل على ذلك أصلا.
وإذا ألجأت الضرورة فلها حكمها وذلك كالمريض الذي يعجز عن غسل أعضائه أو بعضها والأشل والأقطع ونحو ذلك.
وأما الصب من الغير على يد المتوضىء فذلك ثابت في السنة في الصحيحين وغيرهما من رواية جماعة من الصحابة.
قوله: "وتجديده بعد كل مباح"
أقول: الأولى مشروعية فعله لكل صلاة من غير نظر إلي فعل المباح أو عدمه فإنه لم يدل دليل على ربط المشروعيه بأن يفعل بعد وضوئه الأول مباحا وقد كان صلى الله عليه وسلم في غالب حالاته يتوضأ لكل صلاة.
ويدل على هذا ما أخرجه الترمذي من حديث بريدة وقال صحيح حسن قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة فلما كان عام الفتح صلى الصلوات كلها بوضوء ومسح على خفيه فقال عمر إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله قال: "عمدا فعلته" وأخرجه أيضا مسلم وأبو دأود والنسائي بنحوه وقال فيه خمس صلوات بوضوء [الترمذي "61"، مسلم "277"، أبو دأود "172"، النسائي "133"] .
وأخرج البخاري والترمذي والنسائي من حديث عمر وأنس أنه كان صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة وأخرج الترمذي وابن ماجة من حديث ابن عمر: "من توضأ على طهر كتبت له عشر حسنات" [الترمذي "59"، ابن ماجة "512"] ، وفي إسناده عبد الرحمن الإفريقي وهو ضعيف الحفظ عن أبي غطيف وهو مجهول.
وتأديته صلى الله عليه وسلم للصلوات بوضوء واحد وترغيبه في الوضوء على طهر يدلان على أن الأمر بالوضوء عند القيام إلي الصلاة محمول على الندب أو هو أمر للمحدثين.
وهكذا حديث أبي هريرة عند الدرامي والترمذي وابن ماجة مرفوعا: "لا وضوء إلا من حدث" [الترمذي "74"، ابنماجة 515"] ، وفي بعض ألفاظه "لا وضوء إلا من صوت أو ريح" قال الترمذي حسن صحيح يحمل على أن معناه لا وضوء واجب جمعا بين الأدلة.

الصفحة 60